كان فيليكس فرانسوا فور، الذي يُعرف اختصارًا باسم فيليكس فور (Felix Faure)، شخصية سياسية فرنسية بارزة وُلِد في باريس بتاريخ 30 يناير 1841. ارتقى فور من بدايات متواضعة كمدبغ في سنوات شبابه، وهي مهنة تتطلب الدقة والعمل اليدوي الشاق، ليُصبح في نهاية المطاف الرئيس السابع لفرنسا خلال الجمهورية الفرنسية الثالثة، وهو المنصب الذي شغله من عام 1895 وحتى وفاته المفاجئة في 16 فبراير 1899. كانت فترة رئاسته حقبةً حافلةً بالتحديات السياسية والاجتماعية التي شهدت تطورات مهمة على الصعيدين الداخلي والدولي لفرنسا.
تُظهر مسيرته المبكرة تحولًا لافتًا من مجال الحرف اليدوية إلى عالم السياسة المعقد. فبعد نجاحه في أعمال الدباغة، اتجه فور نحو الخدمة العامة. وفي عام 1881، انتُخب عضوًا في مجلس النواب ممثلاً لدائرة السين البحرية (Seine-Inférieure)، التي تُعرف اليوم باسم سين-ماريتيم. كانت هذه الخطوة بمثابة نقطة انطلاق لبروزه في الساحة السياسية الوطنية، حيث عُرف بقدرته على العمل الجاد وتفانيه في خدمة بلاده.
صعود غير متوقع إلى الرئاسة وتوطيد العلاقات الدولية
لم يكن وصول فيليكس فور إلى سدة الرئاسة في عام 1895 متوقعًا، فقد جاء ذلك في أعقاب استقالة الرئيس جان كازيمير بيرييه، مما فتح الباب أمام مرشح تسوية ليُنتخب بالإجماع. خلال فترة رئاسته، التي امتدت لأربع سنوات تقريبًا، سعى فور لتعزيز مكانة فرنسا على الساحة الدولية. وكان من أبرز إنجازاته الدبلوماسية خلال هذه الفترة هو التحسين الملحوظ في علاقات فرنسا مع الإمبراطورية الروسية. وقد تجسد هذا التقارب في سلسلة من الزيارات المتبادلة وتبادل الأوسمة، مما رسّخ أركان التحالف الفرنسي الروسي الذي كان يُنظر إليه كقوة موازنة للتكتلات الأوروبية الأخرى، خاصة التحالف الثلاثي.
كان هذا التحالف مع روسيا حجر الزاوية في السياسة الخارجية الفرنسية آنذاك، مقدمًا لباريس حليفًا قويًا في شرق أوروبا، وهو ما كان ضروريًا في مواجهة القوى المركزية المتنامية. لقد عمل فور بجد على ترسيخ هذه الروابط، مؤمنًا بأنها ستُسهم في استقرار فرنسا وأمنها.
قضية درايفوس: تحدٍ للجمهورية ودور الرئيس
لا يمكن الحديث عن فترة رئاسة فيليكس فور دون الإشارة إلى قضية درايفوس، التي هزّت المجتمع الفرنسي وشكلت أزمة سياسية واجتماعية عميقة. كانت هذه القضية، التي بدأت باتهام ضابط المدفعية اليهودي ألفريد درايفوس بالخيانة العظمى عام 1894، رمزًا للانقسام الحاد بين مختلف الأطياف السياسية والعسكرية والدينية في فرنسا. لقد انقسم الرأي العام إلى معسكرين رئيسيين: "الدرايفوسيون" الذين طالبوا بإعادة المحاكمة لإثبات براءة درايفوس، و"المناهضون للدرايفوسيين" الذين دافعوا عن قرار المحكمة الأصلي ورفضوا التشكيك في شرف الجيش.
وسط هذا الجدل المحتدم، جاءت اللحظة الأكثر دراماتيكية في القضية عام 1898 عندما نشر الكاتب الفرنسي الشهير إميل زولا رسالته المفتوحة التاريخية بعنوان "أَتّهِمُ!" (J'Accuse…!) في صحيفة "لورور" (L'Aurore). كانت هذه الرسالة موجهة صراحةً إلى الرئيس فيليكس فور، حيث اتهم فيها زولا كبار الضباط العسكريين والحكومة بالتستر على الحقيقة وعرقلة العدالة في قضية درايفوس. لقد وضعت رسالة زولا الرئيس فور في موقف بالغ الحساسية، حيث كان عليه أن يوازن بين ضغوط الجيش والرأي العام المنقسم. ورغم أن فور لم يتخذ خطوة حاسمة لإعادة فتح القضية بشكل مباشر، فإن الرسالة أحدثت ضجة هائلة وأجبرت الجميع على مواجهة الحقائق المُرّة، مسلطةً الضوء على دور الرئيس كحارس للدستور والعدالة في أوقات الأزمات الوطنية.
وفاة مفاجئة ومحاولة انقلاب في الجنازة
في 16 فبراير 1899، توفي فيليكس فور بشكل مفاجئ في قصر الإليزيه، مقر إقامة رئيس الجمهورية، وهو لا يزال في منصبه. أُعلنت وفاته نتيجة سكتة دماغية، لتُنهي فجأة مسيرة رجلٍ بدأ حياته كمدبغ وانتهى به المطاف رئيسًا لأمة. كان لوفاته وقع الصدمة على الرأي العام الفرنسي، لا سيما في ظل أجواء التوتر التي كانت تخيم على البلاد بسبب قضية درايفوس.
لم تكن وفاته نهاية القصة، فجنازته الرسمية التي أقيمت في كاتدرائية نوتردام بالعاصمة باريس في 23 فبراير 1899، تحولت إلى مسرح لمحاولة انقلاب فاشلة. قاد هذه المحاولة الشاعر والناشط القومي الفرنسي بول ديروليد (Paul Déroulède)، رئيس "رابطة الوطنيين" (Ligue des Patriotes)، الذي حاول استغلال المشاعر المناهضة للبرلمانية وللجمهورية، بالإضافة إلى مشاعر الغضب المرتبطة بقضية درايفوس. استهدف ديروليد، ومعه مجموعة من أنصاره، تحويل موكب الجنازة العسكري نحو القصر الجمهوري لإسقاط الحكومة. غير أن محاولته باءت بالفشل وتم إحباطها بسرعة. لاحقًا، تم نفي بول ديروليد إلى إسبانيا نتيجة لتورطه في هذه المحاولة، مما يُبرز مدى الهشاشة السياسية والاضطرابات التي كانت تعيشها فرنسا في تلك الحقبة.
الإرث: بين الدبلوماسية والتحديات الداخلية
يُتذكر فيليكس فور كشخصية رئيسية في الجمهورية الفرنسية الثالثة، الذي سعى جاهدًا لتعزيز مكانة فرنسا دوليًا من خلال توطيد العلاقات مع روسيا، ولكنه واجه أيضًا تحديات داخلية هائلة، أبرزها قضية درايفوس التي كشفت عن الانقسامات العميقة في المجتمع الفرنسي. تظل فترة رئاسته شاهدة على فترة انتقالية في التاريخ الفرنسي، حيث توازنت جهوده الدبلوماسية مع الضغوط السياسية والاجتماعية التي بلغت ذروتها في الأحداث الدرامية لوفاته وجنازته.
الأسئلة المتكررة حول فيليكس فور
- من هو فيليكس فور؟
- كان فيليكس فور سياسيًا فرنسيًا شغل منصب الرئيس السابع للجمهورية الفرنسية الثالثة من عام 1895 حتى وفاته في عام 1899. بدأ مسيرته المهنية كمدبغ قبل أن ينتقل إلى عالم السياسة.
- ما هي أبرز إنجازاته كرئيس؟
- من أبرز إنجازاته توطيد العلاقات الدبلوماسية بين فرنسا والإمبراطورية الروسية، مما عزز من نفوذ فرنسا على الساحة الدولية في تلك الحقبة.
- ما علاقته بقضية درايفوس؟
- كان فيليكس فور رئيسًا لفرنسا خلال ذروة قضية درايفوس. وقد وُجّهت إليه رسالة "أَتّهِمُ!" الشهيرة من الكاتب إميل زولا، والتي اتهم فيها زولا الحكومة والجيش بالتستر على الحقيقة. ورغم الضغوط، لم يتخذ فور موقفًا حاسمًا لإعادة فتح القضية بشكل مباشر أثناء رئاسته.
- كيف توفي فيليكس فور؟
- توفي فيليكس فور بشكل مفاجئ في 16 فبراير 1899 في قصر الإليزيه نتيجة سكتة دماغية، وهو لا يزال في منصبه.
- ماذا حدث في جنازته؟
- تحولت جنازته الرسمية في كاتدرائية نوتردام إلى مسرح لمحاولة انقلاب فاشلة قادها الشاعر القومي بول ديروليد، الذي حاول استغلال الحدث لإسقاط الحكومة الجمهورية.

English
español
français
português
русский
العربية
简体中文 