أوتورينو ريسبيغي (بالإيطالية: Ottorino Respighi، النطق: [ottoˈriːno reˈspiːɡi]؛ 9 يوليو 1879 – 18 أبريل 1936) كان أحد أبرز الملحنين الإيطاليين في أوائل القرن العشرين، وشخصية متعددة المواهب جمعت بين كونه عازف كمان بارع، ومدرسًا مرموقًا للموسيقى، وعالمًا موسيقيًا حريصًا على إحياء التراث. في فترة كانت فيها الأوبرا هي المهيمنة على الساحة الموسيقية الإيطالية، برز ريسبيغي كصوت جديد أعاد الحياة للموسيقى الآلية والأوركسترالية، وترك بصمة لا تُمحى بأعماله التي مزجت بين الإرث الإيطالي العريق والحداثة الموسيقية.
نشأته وتكوينه الموسيقي
وُلد أوتورينو ريسبيغي في مدينة بولونيا الإيطالية الجميلة لعائلة غنية بالمواهب الموسيقية والفنية، مما وفر له بيئة مثالية لنمو شغفه بالموسيقى. بتشجيع مبكر من والده، الذي كان مدرسًا للبيانو، بدأ ريسبيغي رحلته الموسيقية بتلقي دروس رسمية في الكمان والبيانو. في عام 1891، التحق بالمعهد الموسيقي الملكي في بولونيا (Liceo Musicale di Bologna)، حيث صقل مهاراته في العزف على الكمان والفيولا، وبدأ دراساته في التأليف الموسيقي تحت إشراف الملحن جوزيبي مارتوتشي، الذي كان له تأثير كبير على ريسبيغي، حيث عرفه على أساليب الأوركسترا الألمانية. لم تتوقف طموحاته عند ذلك، فخلال فترة عمله كعازف كمان رئيسي في المسرح الإمبراطوري الروسي، أتيحت له الفرصة لدراسة لفترة وجيزة مع الأستاذ الكبير نيكولاي ريمسكي كورساكوف، وهو لقاء تركت بصمته العميقة على فهمه للتوزيع الأوركسترالي والألوان الصوتية، مما أثر بشكل حاسم على أسلوبه الفريد الذي سيظهر لاحقًا في أعماله.
مسيرته المهنية في روما وزواجه
في عام 1913، اتخذ ريسبيغي خطوة مهمة في حياته بالانتقال إلى العاصمة الإيطالية روما، حيث تولى منصب أستاذ التأليف الموسيقي في المعهد الموسيقي في سانتا تشيشيليا (Liceo Musicale di Santa Cecilia). كانت هذه الفترة حافلة بالتطورات الشخصية والمهنية؛ فخلال عمله في المعهد، التقى بطلبة موهوبة ومغنية سوبرانو تدعى إلسا أوليفيري سانجياكومو، التي أصبحت زوجته لاحقًا. لم تكن إلسا مجرد زوجة، بل كانت أيضًا ملهمة وشريكة فنية وواحدة من أكبر المدافعين عن أعماله وإرثه بعد وفاته. في عام 1923، ومع تزايد شهرته وتفرغه للإبداع، استقال ريسبيغي من منصبه الأكاديمي ليكرس وقته بشكل كامل للجولات الموسيقية والتأليف، إلا أنه استمر في التدريس بشكل متقطع حتى عام 1935، محافظًا على ارتباطه بالجيل الجديد من الموسيقيين. بين عامي 1925 ووفاته، قام ريسبيغي بجولات واسعة في الولايات المتحدة وأمريكا الجنوبية، مقدمًا عروضًا موسيقية وقيادة أوركسترالية في مختلف الساحات الفنية، مما أكسبه شهرة عالمية أوسع.
ثلاثية روما الأوركسترالية: قمة الإبداع
على الرغم من غزارة إنتاجه الذي شمل الأوبرا، والباليه، ومتتاليات الأوركسترا، والأغاني الكورالية، وموسيقى الحجرة، ونسخًا لمقطوعات إيطالية قديمة تعود للقرنين السادس عشر والثامن عشر، فإن الشهرة العالمية التي حصدها أوتورينو ريسبيغي تعود بشكل كبير إلى ثلاثيته الأوركسترالية الشهيرة المعروفة بـ "ثلاثية روما". هذه القصائد السمفونية لا تزال حتى اليوم من أكثر أعماله أداءً واستماعًا:
- ينابيع روما (Fontane di Roma، 1916): العمل الأول في الثلاثية، يصور الأجواء المختلفة لينابيع روما الخلابة على مدار اليوم، من فجر الصحوة إلى غروب الشمس الساحر، مستخدمًا الأوركسترا ليرسم لوحات صوتية نابضة بالحياة.
- صنوبر روما (Pini di Roma، 1924): يُعد هذا العمل الأكثر شعبية، ويأخذ المستمعين في رحلة عبر غابات الصنوبر الشاهقة في روما، مستحضرًا أجواء اللعب عند الأطفال، والأناشيد القديمة في السراديب، وحركة الفيالق الرومانية. يتميز باستخدامه المبتكر للتسجيلات الصوتية (مثل صوت العندليب) وتوسيع نطاق الأوركسترا.
- مهرجانات روما (Feste Romane، 1928): يختتم هذا العمل الثلاثية بلوحات صاخبة ومفعمة بالحياة تصور الاحتفالات والمهرجانات الرومانية، من مصارعة المجالدين في السيرك وحتى مهرجان عيد الغطاس الشعبي، مقدمًا عرضًا مذهلاً لبراعة ريسبيغي الأوركسترالية.
هذه الأعمال لم تقتصر على كونها تصويرًا صوتيًا للمدينة الخالدة، بل كانت أيضًا بمثابة إحياء للتراث الموسيقي الإيطالي، وإظهار لقدرة ريسبيغي الفائقة في التوزيع الأوركسترالي، والتي تأثر فيها بلا شك بأساتذته مثل ريمسكي كورساكوف.
سنواته الأخيرة وإرثه الخالد
في أواخر عام 1935، بينما كان أوتورينو ريسبيغي منغمسًا في تأليف أوبراه الأخيرة، "لوكريزيا" (Lucrezia)، أصيب بمرض مفاجئ تم تشخيصه لاحقًا بالتهاب الشغاف الجرثومي، وهو مرض خطير. توفي ريسبيغي بعد أربعة أشهر من تشخيص المرض، في 18 أبريل 1936، عن عمر يناهز 56 عامًا، تاركًا وراءه فراغًا كبيرًا في عالم الموسيقى. بعد وفاته، كرست زوجته إلسا أوليفيري سانجياكومو ما يقرب من ستين عامًا من حياتها (حتى وفاتها في عام 1996) للحفاظ على إرث زوجها الراحل وأعماله والدفاع عنها، مؤكدة مكانته كواحد من عمالقة الموسيقى الإيطالية. لم يقتصر الحفاظ على إرثه على جهود زوجته؛ فقد قام القائد الموسيقي والملحن سالفاتوري دي فيتوريو بجهود جبارة لإكمال العديد من أعمال ريسبيغي غير المكتملة وغير المنشورة سابقًا، بما في ذلك إنهاء كونشرتو الكمان في مقام لا الكبير (A Major) الذي يعود تاريخه إلى عام 1903، والذي عُرض لأول مرة بنجاح كبير في عام 2010، مما أضاف فصلاً جديدًا ومهمًا إلى فهرس أعماله.
أسئلة متكررة (FAQs)
- من هو أوتورينو ريسبيغي؟
- كان أوتورينو ريسبيغي ملحنًا إيطاليًا بارزًا، وعازف كمان، ومدرسًا، وعالم موسيقى، يُعد أحد أهم الموسيقيين في أوائل القرن العشرين، اشتهر بإحيائه للموسيقى الآلية والأوركسترالية في إيطاليا.
- ما هي أشهر أعمال ريسبيغي؟
- أشهر أعماله وأكثرها أداءً هي ثلاثيته الأوركسترالية المعروفة باسم "ثلاثية روما"، والتي تشمل "ينابيع روما" (1916)، و"صنوبر روما" (1924)، و"مهرجانات روما" (1928).
- ما هو أسلوب ريسبيغي الموسيقي؟
- تميز أسلوبه بمزيج فريد من الكلاسيكية الجديدة والتأثر بالانطباعية، مع اهتمام خاص بالتوزيع الأوركسترالي المتقن والألوان الصوتية الغنية، واستلهم الكثير من الموسيقى الإيطالية القديمة من القرنين السادس عشر والثامن عشر.
- من هي إلسا ريسبيغي؟
- إلسا ريسبيغي (اسمها قبل الزواج إلسا أوليفيري سانجياكومو) كانت زوجة أوتورينو ريسبيغي وتلميذته ومغنية سوبرانو. بعد وفاته، كرست حياتها للحفاظ على إرثه والدفاع عن أعماله.
- ما هو الدور الذي لعبه ريسبيغي في الموسيقى الإيطالية؟
- لعب ريسبيغي دورًا محوريًا في تحويل التركيز في الموسيقى الإيطالية من هيمنة الأوبرا إلى إحياء الموسيقى الآلية والأوركسترالية، مما أثرى المشهد الموسيقي الإيطالي بأساليب جديدة ومبتكرة.

English
español
français
português
русский
العربية
简体中文