يُعد شعب الناتشيز، أو كما يُعرفون محليًا بـ "ناتشيز" (ويُنطق اسمها [نايتوش])، مجموعة عريقة من السكان الأصليين لأمريكا الشمالية، امتلكوا تاريخًا وثقافة فريدة في قلب وادي المسيسيبي السفلي. استقروا في الأصل في منطقة تُعرف اليوم باسم "منحدرات الناتشيز" (Natchez Bluffs)، بالقرب من مدينة ناتشيز الحديثة في ولاية ميسيسيبي بالولايات المتحدة الأمريكية، تاركين بصمة لا تُمحى في سجلات التاريخ.

كانت لغتهم من اللغات المعزولة، أي أنها لا ترتبط بشكل مباشر بأي عائلات لغوية أخرى معروفة، مما يجعلها دراسة مثيرة للغويين. ومع ذلك، يُعتقد أنها قد تحمل صلات بعيدة جدًا بلغات الماسكوغيان التي كانت سائدة ضمن اتحاد الخور. وفي لمحة تاريخية مثيرة للاهتمام، أشار أحد الجغرافيين الأمريكيين الأوائل في معجمه الجغرافي لعام 1797 إلى أنهم كانوا يُعرفون أيضًا باسم "هنود غروب الشمس"، وهو وصف يثير الفضول حول دلالاته الثقافية أو الجغرافية.

نظام اجتماعي فريد وبقاء ثقافي

ما يميز مجتمع الناتشيز بشكل خاص هو صمودهم الثقافي الاستثنائي. فقد كانوا الثقافة الوحيدة في منطقة ميسيسيبي التي حافظت على خصائص المشيخة المعقدة لفترة طويلة خلال فترة الاستعمار الأوروبي، وذلك على عكس العديد من مجتمعات المسيسيبي الأخرى في الجنوب الشرقي التي شهدت تحولات جوهرية بعد وقت قصير من الاتصال بالإمبراطورية الإسبانية أو غيرها من الوافدين الجدد عبر المحيط. هذا الصمود يبرز مرونتهم وقوة تنظيمهم الاجتماعي.

كانت بنية مجتمع الناتشيز تتميز بنظام اجتماعي غير عادي، يتمثل في وجود طبقات نبلاء صارمة وممارسات الزواج الخارجي (Exogamy)، حيث كان الأفراد مطالبين بالزواج من خارج طبقتهم أو مجموعتهم العائلية. كان مجتمعًا قائمًا بقوة على القرابة الأمومية، مما يعني أن النسب كان يُحتسب على طول الخطوط الأنثوية. في هذا النظام، كان القائد الأعلى، الذي يُدعى "الشمس العظمى" (Great Sun)، دائمًا ابن "أنثى الشمس" (Female Sun)، والتي بدورها ستكون ابنتها والدة "الشمس العظمى" التالي. هذا الهيكل الفريد ضمن بقاء المشيخة تحت سيطرة سلالة "الشمس" الواحدة، وحافظ على الاستقرار السياسي عبر الأجيال. على الرغم من الدراسات المستفيضة، لم يتوصل علماء الأعراق بعد إلى توافق في الآراء حول كيفية عمل نظام الناتشيز الاجتماعي هذا في الأصل، مما يجعله موضوعًا للنقاش والبحث المستمر.

نهاية حقبة وشتات الشعب

تغير مصير الناتشيز بشكل دراماتيكي حوالي عام 1730. فبعد عدة حروب مدمرة مع المستعمرين الفرنسيين، مُني شعب الناتشيز بهزيمة قاسية وأُجبروا على التفرق. كان هذا الحدث نقطة تحول مأساوية في تاريخهم؛ فقد قام الفرنسيون ببيع معظم الناجين للعبودية في جزر الهند الغربية، في ممارسة وحشية قلبت حياتهم رأسًا على عقب. أما من حالفهم الحظ بالفرار، فقد لجأوا إلى قبائل أمريكية أصلية أخرى، شملت قبائل التشيكاساو والكريك من المتحدثين باللغات الماسكوغية، وقبيلة الشيروكي الناطقة بالإيروكوا. هذه القبائل قدمت لهم الملاذ والحماية، مما سمح لجزء من ثقافة الناتشيز بالاستمرار ضمن مجتمعاتهم الجديدة.

الناتشيز اليوم: استمرارية الوجود

على الرغم من التحديات الهائلة التي واجهوها، لم ينتهِ وجود شعب الناتشيز. فاليوم، توجد معظم عائلات ومجتمعات الناتشيز في ولاية أوكلاهوما الأمريكية، حيث يتم تسجيل العديد من أفراد الناتشيز كأعضاء في دولتي شيروكي وموسكوغي (كريك) المعترف بهما فدراليًا. علاوة على ذلك، تعترف ولاية كارولينا الجنوبية بوجود مجتمعين من مجتمعات الناتشيز، مما يؤكد على استمرارية حضورهم الثقافي والتاريخي في الولايات المتحدة.

ثورة الناتشيز (مذبحة الناتشيز): شرارة الصراع

يُعد تاريخ 29 نوفمبر 1729 علامة فارقة في العلاقة المتوترة بين الناتشيز والمستعمرين الفرنسيين، حيث شهد هجومًا جريئًا شنه شعب الناتشيز على الفرنسيين بالقرب من ناتشيز الحالية في ميسيسيبي، والذي عُرف باسم "ثورة الناتشيز" أو "مذبحة الناتشيز". قبل هذا الحادث، عاش الناتشيز والفرنسيون جنبًا إلى جنب في مستعمرة لويزيانا لأكثر من عقد من الزمان، وكانت العلاقة تتسم في معظم الأحيان بالتجارة السلمية وحتى التزاوج بين الطرفين.

ولكن، بعد فترة من تدهور العلاقات والصراعات المتزايدة، وصلت الأمور إلى نقطة اللاعودة. كان القشة التي قصمت ظهر البعير هي مطالبة القائد الاستعماري الفرنسي، سيور دي تشبارت، بالاستيلاء على أراضي قرية من قرى الناتشيز من أجل مزرعته الخاصة بالقرب من حصن روزالي. هذه المطالبة الجائرة استفزت قادة الناتشيز، الذين رأوا فيها تهديدًا لوجودهم واستقلالهم.

خطط الناتشيز لهجومهم بدقة على مدى عدة أيام وتمكنوا من إخفاء خططهم عن معظم الفرنسيين. حتى المستعمرون الذين سمعوا تحذيرات تشبارت من هجوم وشيك اعتُبروا غير صادقين وعوقبوا، مما يدل على استهانة الفرنسيين بقدرة الناتشيز وتجاهلهم للعلامات التحذيرية. في هجوم منسق وشامل على الحصن والمنازل المحيطة، تمكن الناتشيز من قتل جميع الرجال الفرنسيين تقريبًا، بينما تم إنقاذ معظم النساء والأطفال واستعباد الأفارقة. قُتل ما يقرب من 230 مستعمرًا في المجمل، وتم إحراق الحصن والمنازل بالكامل، في انتصار مؤقت للناتشيز.

رد الفعل الفرنسي وتبعثر الناتشيز

عندما وصلت أنباء المذبحة إلى الفرنسيين في نيو أورلينز، عاصمة المستعمرة، أصابهم الهلع من اندلاع انتفاضة هندية عامة، وتملكهم القلق من احتمال تآمر قبائل الناتشيز مع قبائل أخرى. كان ردهم سريعًا ووحشيًا. أولًا، أصدروا أوامر بمذبحة شعب الشواشا الأبرياء، الذين لم يلعبوا أي دور في الثورة، ومحو قريتهم بأكملها، في عمل انتقامي عشوائي. ثم، انتقم الفرنسيون وحلفاؤهم من قبيلة الشوكتو من قرى الناتشيز، واستولوا على المئات منهم وبيعوهم كعبيد، على الرغم من أن العديد منهم تمكنوا من الفرار شمالًا واللجوء بين شعب التشيكاساو.

شن الناتشيز حربًا منخفضة الحدة ضد الفرنسيين على مدى السنوات التالية، مصممين على المقاومة. لكن الحملات الانتقامية الفرنسية المتواصلة ضد لاجئي الناتشيز بين التشيكاساو في عامي 1730 و1731 أجبرتهم على الانتقال مجددًا، والعيش كلاجئين بين قبائل الكريك والشيروكي. بحلول عام 1741، أثبت الناتشيز مرونتهم مرة أخرى عندما نجحوا في إنشاء مدينة لهم في الأجزاء الشمالية من أمة "أبر كريك". هناك، وبإذن من قبيلة الأبيهكا، أعادوا بناء بلدتهم وأصبحوا من الموقعين على معاهدة نيويورك عام 1790 ومعاهدة كوليرين عام 1796. وحتى اليوم، لا يزالون يمثلون قبيلة مكونة لأمة موسكوغي (كريك)، في شهادة على قدرتهم على التكيف والبقاء.

تداعيات الثورة على لويزيانا الفرنسية

لم تكن ثورة الناتشيز مجرد صراع محلي؛ بل كان لها تداعيات بعيدة المدى على المستعمرة الفرنسية بأكملها. أدى الهجوم على فورت روزالي إلى تدمير بعض المزارع الأكثر إنتاجية في مستعمرة لويزيانا، مما أثر بشكل كبير على الاقتصاد الاستعماري. كما أصبحت شحنات الأغذية والسلع التجارية على طول نهر المسيسيبي في خطر، مما عطل التجارة الحيوية. ونتيجة لذلك، أعادت الدولة الفرنسية السيطرة على لويزيانا من شركة جزر الهند إلى التاج الفرنسي في عام 1731، بعد أن واجهت الشركة صعوبات جمة في إدارة المستعمرة. كان حاكم لويزيانا آنذاك، تيان بيرييه، مسؤولًا بشكل مباشر عن المذبحة وما تلاها من أحداث، وتم استدعاؤه إلى فرنسا في عام 1732 لمواجهة المساءلة، مما يؤكد الأثر الكبير لهذا الصراع على السياسة الاستعمارية الفرنسية.

الأسئلة الشائعة (FAQs)

من هم شعب الناتشيز؟

شعب الناتشيز هم مجموعة من السكان الأصليين لأمريكا الشمالية، عاشوا في الأصل في منطقة وادي المسيسيبي السفلي، وعرفوا بنظامهم الاجتماعي المعقد والمشيخة الأمومية.

أين عاش الناتشيز في الأصل؟

عاشوا في الأصل في منطقة منحدرات الناتشيز في وادي المسيسيبي السفلي، بالقرب من مدينة ناتشيز الحالية في ولاية ميسيسيبي بالولايات المتحدة.

ما الذي كان فريدًا في مجتمع الناتشيز؟

كان مجتمعهم يتميز بنظام اجتماعي معقد يضم طبقات نبلاء وزواج خارجي، ويعتمد بقوة على القرابة الأمومية حيث يُحسب النسب من خلال خط الأم. وكان الزعيم الأعلى "الشمس العظمى" دائمًا ابن "أنثى الشمس"، مما يضمن استمرارية السلالة الحاكمة.

ما هو سبب ثورة الناتشيز عام 1729؟

اندلعت الثورة بسبب تدهور العلاقات بين الناتشيز والمستعمرين الفرنسيين، وتفاقمت عندما طالب القائد الفرنسي سيور دي تشبارت بأرض من قرية ناتشيز لمزرعته الخاصة بالقرب من حصن روزالي، مما استفز قادة الناتشيز.

ما هي عواقب ثورة الناتشيز؟

أسفرت الثورة عن مقتل حوالي 230 مستعمرًا فرنسيًا وتدمير حصن روزالي. تلاها رد فعل فرنسي وحشي، حيث تم بيع العديد من الناتشيز كعبيد وتفرق الباقون للجوء لدى قبائل أخرى. كما أدت الثورة إلى إعادة الدولة الفرنسية للسيطرة على لويزيانا من شركة جزر الهند.

أين يعيش أحفاد الناتشيز اليوم؟

يعيش معظم أحفاد الناتشيز اليوم في أوكلاهوما، حيث يتم تسجيلهم كأعضاء في دولتي شيروكي وموسكوغي (كريك) المعترف بهما فدراليًا. وهناك أيضًا مجتمعان معترف بهما في ولاية كارولينا الجنوبية.

ماذا حدث للغة الناتشيز؟

لغة الناتشيز كانت لغة معزولة، لا يوجد لها أقارب معروفون، على الرغم من احتمال وجود صلات بعيدة بلغات الماسكوغيان. اليوم، أصبحت اللغة منقرضة إلى حد كبير، حيث يتحدث أحفاد الناتشيز اللغات الأخرى للقبائل التي لجأوا إليها، مثل الإنجليزية أو لغات قبائل شيروكي وكريك.