عيد الفصح، المعروف أيضًا باسم بيساخ (Pesach)، هو أحد أبرز المهرجانات وأكثرها قداسة في الديانة اليهودية، ويُعتبر حجر الزاوية في التقويم اليهودي. إنه ليس مجرد احتفال تاريخي، بل تجسيد حي لقصة الحرية الأزلية والخلاص من العبودية، حيث يخلد ذكرى خروج بني إسرائيل من مصر القديمة بقيادة النبي موسى عليه السلام بعد قرون من الاستعباد. يكتسب هذا العيد أهميته البالغة كونه رمزًا للنبوءات التي تحققت، ومعلمًا يشير إلى ولادة الأمة الإسرائيلية كشعب حر.
أصل التسمية والاحتفال بالعبور الإلهي
اسم "بيساخ" مشتق من الفعل العبري "باساخ" (פסח) ويعني "عبر" أو "تجاوز". يشير هذا الاسم تحديدًا إلى اللحظة الحاسمة عندما "عبر" الله بيوت بني إسرائيل في مصر القديمة أثناء الضربة العاشرة والأخيرة التي أصابت الأبكار، بينما "تجاوز" أو "عبر" بيوت المصريين، مما أدى إلى تحرير الشعب اليهودي من قبضة فرعون. يحتفل اليهود بهذا الحدث التاريخي الذي يمثل بداية رحلتهم الشاقة نحو الحرية الموعودة، ويُعد تجديدًا سنويًا لالتزامهم بمبادئ الإيمان والخلاص.
مدة الاحتفال: تباين بين الشتات وإسرائيل
تختلف مدة الاحتفال بعيد الفصح حسب الموقع الجغرافي للمجتمعات اليهودية. ففي غالبية أماكن الشتات (المجتمعات اليهودية المنتشرة خارج أرض إسرائيل التاريخية)، يستمر الاحتفال حوالي ثمانية أيام. أما في إسرائيل، حيث نشأت هذه الشعائر وتمتد جذورها التاريخية وتتمركز السلطة الدينية، فيتم الاحتفال به لمدة سبعة أيام. هذا التباين يعود إلى تقاليد قديمة نشأت في العصور التلمودية، مرتبطة بتحديد الأيام المقدسة في التقويم اليهودي، والتي كانت تعتمد على مراقبة القمر وظهور الهلال. ولضمان عدم تفويت أي يوم مقدس في المجتمعات البعيدة التي قد تواجه صعوبات في تلقي إعلان الشهر الجديد في وقته، تمت إضافة يوم إضافي في الشتات كنوع من "التأمين" الاحتياطي، بينما لم تكن الحاجة ملحة لذلك في إسرائيل.
طقوس وتقاليد عيد الفصح: رحلة عبر التاريخ والرمزية
يُعرف عيد الفصح بتقاليده الغنية والعميقة، وأبرزها هو سدر الفصح (Passover Seder)، وهي وجبة احتفالية تُقام في الليلتين الأولى (والثانية في الشتات) من العيد. خلال السدر، تُروى قصة الخروج من مصر عبر قراءة نص يُسمى الهجادا (Haggadah)، ويتناول الحاضرون أطعمة رمزية خاصة، كل منها يحمل دلالة عميقة:
- الماتساه (Matzah): خبز الفطير غير المخمّر، يرمز إلى خبز "الاندفاع" الذي خبزه بنو إسرائيل قبل مغادرتهم مصر مسرعين، فلم يكن لديهم الوقت لانتظار تخمره. يُعد تذوق الماتساه تجسيدًا للمعيشة المتواضعة في الصحراء بعد التحرير.
- المارور (Maror): أعشاب مرة (مثل الخس الروماني أو الفجل)، ترمز إلى مرارة العبودية والمعاناة القاسية التي عاشها بنو إسرائيل تحت حكم فرعون.
- الحاروسيت (Charoset): مزيج حلو من الفاكهة المقطعة، المكسرات، النبيذ، والقرفة، يرمز إلى الملاط الذي استخدمه العبيد لبناء مدن فرعون الطينية، ويُقدم لتخفيف مرارة المارور ويذكر بحلاوة الأمل بالخلاص.
- الكرباس (Karpas): خضروات طازجة (مثل البقدونس أو الكرفس) تُغمّس في ماء مملح، ترمز إلى دموع العبيد الغزيرة، وفي الوقت نفسه ترمز إلى بداية الربيع والأمل الجديد.
- زيروآ (Zeroah): عظم كتف مشوي (عادة من الحمل أو الدجاج)، يوضع على طبق السدر تذكيرًا بقربان الفصح الذي كان يُقدم في الهيكل المقدس، وإلى الذراع القوية لله التي حررت بني إسرائيل.
- البيضة المشوية (Beitzah): ترمز إلى قربان العيد الذي كان يُقدم في الهيكل، وهي أيضًا رمز للخصوبة وتجديد الحياة، وتضاف كرمز للحزن على تدمير الهيكل وتوقع إعادة بنائه.
ومن أبرز القيود والتحضيرات خلال هذا العيد هو تحريم تناول أو حتى امتلاك أي طعام مخمّر أو يحتوي على خميرة، ويُعرف هذا الطعام بـ الخاميتس (Chametz). تبذل العائلات اليهودية جهودًا مضنية لتنظيف منازلها وتفتيشها والتخلص من أي أثر للخاميتس قبل بداية العيد، مما يعكس التطهير الروحي والجسدي استعدادًا للاحتفال بالحرية والخلاص والانتقال من حالة العبودية إلى النقاء.
عيد الفصح اليوم: استمرارية الإرث وقيم الحرية
يظل عيد الفصح مناسبة محورية في حياة اليهود حول العالم، فهو لا يقتصر على سرد قصة قديمة، بل هو دعوة سنوية للتفكير في معنى الحرية في السياقات المعاصرة، والتزام بالعدالة الاجتماعية، وتذكير بأهمية النضال ضد الظلم في كل زمان ومكان. إنه عيد يوحد العائلات والمجتمعات حول مائدة مشتركة، ويغرس القيم الأبدية للذاكرة التاريخية، والصمود، والأمل في الأجيال القادمة، مؤكدًا أن قصة الخلاص هي قصة متجددة أبدًا.
- أسئلة متكررة حول عيد الفصح (بيساخ)
- ما هو عيد الفصح ولماذا يُحتفل به؟
- عيد الفصح، أو بيساخ، هو أحد أهم الأعياد اليهودية التي تحتفل بذكرى خروج بني إسرائيل من مصر القديمة وتحررهم من العبودية. يرمز العيد إلى الحرية والخلاص، ويُعد تجديدًا سنويًا للعهد الإلهي.
- كم عدد أيام عيد الفصح؟
- يُحتفل به لمدة سبعة أيام في إسرائيل، بينما يستمر ثمانية أيام في غالبية أماكن الشتات، وهو تقليد يعود إلى الحاجة لضمان التوقيت الصحيح للعيد في المجتمعات البعيدة تاريخيًا.
- ما هو السدر في عيد الفصح؟
- السدر هو وجبة احتفالية تُقام في ليلتي عيد الفصح، يتم خلالها سرد قصة الخروج من مصر من كتاب الهجادا، وتناول أطعمة رمزية خاصة مثل خبز الفطير (الماتساه)، والأعشاب المرة (المارور)، وكل منها يحمل دلالة على أحداث الخروج.
- ما هو "الخاميتس" ولماذا يُمنع في الفصح؟
- "الخاميتس" هو أي طعام مخمّر أو يحتوي على خميرة (مثل الخبز العادي والمعكرونة). يُمنع تناوله أو امتلاكه خلال عيد الفصح تذكيرًا بسرعة خروج بني إسرائيل من مصر، حيث لم يكن لديهم الوقت لانتظار تخمّر خبزهم، مما دفعهم لأخذ خبزهم غير المخمّر (الماتساه).

English
español
français
português
русский
العربية
简体中文 
