يحتفل الشعب السوري في السابع عشر من نيسان (أبريل) من كل عام بيوم الجلاء، وهو أحد أبرز الأعياد الوطنية وأكثرها رسوخًا في الذاكرة الجمعية السورية. لا يمثل هذا اليوم مجرد ذكرى تاريخية عابرة، بل هو تتويج لنضال طويل وتضحيات جسام قادتها الحركة الوطنية السورية، ليجسد اللحظة الحاسمة التي استعادت فيها سوريا سيادتها الكاملة وشرعت في بناء دولتها المستقلة بعد عقود من الانتداب الأجنبي. ففي هذا اليوم من عام 1946، غادرت آخر القوات الفرنسية الأراضي السورية، إيذانًا ببدء عهد جديد من الحرية والسيادة الوطنية.
خلفية تاريخية: الانتداب الفرنسي على سوريا
لفهم عمق وأهمية يوم الجلاء، لا بد من استعراض السياق التاريخي الذي أدى إلى الوجود الفرنسي في سوريا. فبعد انهيار الدولة العثمانية في أعقاب الحرب العالمية الأولى، وبموجب اتفاقية سايكس-بيكو السرية عام 1916 التي قسمت مناطق النفوذ بين القوى الاستعمارية الكبرى، ثم مؤتمر سان ريمو عام 1920، وُضعت سوريا ولبنان تحت الانتداب الفرنسي بقرار من عصبة الأمم. لم يكن الانتداب نظامًا إداريًا فحسب، بل كان شكلاً من أشكال السيطرة الاستعمارية التي واجهت مقاومة شعبية عارمة تمثلت في ثورات متعددة، أبرزها الثورة السورية الكبرى (1925-1927) بقيادة سلطان باشا الأطرش، والتي عكست رفض السوريين للاحتلال الأجنبي وتطلعهم للحرية والاستقلال التام.
نحو الاستقلال: عقود من النضال المستمر
على مدى ستة وعشرين عامًا، منذ بداية الانتداب عام 1920 وحتى الجلاء عام 1946، لم تتوقف المقاومة السورية بأشكالها المختلفة، سياسية وعسكرية. وقد تجلت هذه المقاومة في مظاهرات شعبية وإضرابات عامة ومفاوضات سياسية شاقة مع السلطات الفرنسية. ومع انتهاء الحرب العالمية الثانية، تزايد الضغط الدولي، بما في ذلك ضغوط من الأمم المتحدة حديثة التأسيس والمجتمع الدولي، لإجلاء القوات الأجنبية ومنح الدول المنتدب عليها حق تقرير المصير. كان إصرار السوريين على استقلالهم ورفضهم لأي وجود أجنبي هو العامل الحاسم في تحقيق هذا الهدف التاريخي، مدعومًا بدبلوماسية وطنية نشطة.
يوم الجلاء: قصة السيادة الوطنية الكاملة
كان السابع عشر من أبريل 1946 يومًا مشهودًا في تاريخ سوريا. ففي ذلك اليوم، اكتمل انسحاب القوات الفرنسية بالكامل من جميع الأراضي السورية، مغادرة آخر جندي فرنسي أرض الوطن. هذا الانسحاب لم يكن مجرد خروج لجيش، بل كان إعلانًا عن انتهاء حقبة وبداية حقبة جديدة تتسم بالسيادة الوطنية الكاملة والقرار الوطني المستقل. لقد شعرت الجماهير السورية، من دمشق العريقة إلى حلب الشهباء، ومن الساحل إلى الشرق، بفرحة غامرة لا توصف، حيث شهدوا بأعينهم رفع العلم السوري على كافة المؤسسات الحكومية، ليتحقق بذلك حلم الأجداد والآباء في بناء دولة مستقلة ذات سيادة وعضو فاعل في المجتمع الدولي. لقد مثلت هذه اللحظة تتويجًا لجهود أجيال من المناضلين الذين ضحوا بأرواحهم في سبيل الوطن وحريته.
كيف يحتفل السوريون بيوم الجلاء؟
يُعد يوم الجلاء عطلة وطنية رسمية في سوريا، تتوقف فيها الحياة العامة احتفالًا بهذا الإنجاز التاريخي العظيم. وتتجسد مظاهر الاحتفال في الآتي:
- الاحتفالات الرسمية والشعبية: تُقام المسيرات والعروض العسكرية في المدن الكبرى، وتُلقى الكلمات والخطب التي تمجد ذكرى الشهداء والمناضلين الذين ساهموا في تحقيق الاستقلال ورفع راية الحرية.
- الفعاليات الثقافية والتربوية: تُنظم الندوات والمحاضرات في المدارس والجامعات والمراكز الثقافية التي تسلط الضوء على تاريخ النضال الوطني وأهمية السيادة، كما تُعرض الأفلام الوثائقية والمسرحيات التي تحكي قصص البطولة والتضحية.
- تعزيز الهوية الوطنية: يعتبر هذا اليوم فرصة وطنية لغرس قيم الانتماء الوطني والفخر بالتاريخ السوري العريق في نفوس الأجيال الشابة، لضمان استمرارية الوعي بأهمية هذا الإرث.
أسئلة شائعة حول يوم الجلاء
- ما هو يوم الجلاء؟
- يوم الجلاء هو اليوم الذي تحتفل فيه سوريا بذكرى جلاء آخر جندي فرنسي من أراضيها، معلنًا بذلك استقلالها التام وسيادتها الوطنية الكاملة بعد فترة طويلة من الانتداب.
- متى يُحتفل بيوم الجلاء في سوريا؟
- يُحتفل به سنويًا في السابع عشر من نيسان (أبريل)، وهو عطلة رسمية في جميع أنحاء الجمهورية العربية السورية.
- لماذا يُعد يوم الجلاء مهمًا لسوريا؟
- لأنه يمثل تتويجًا لعقود من النضال والمقاومة ضد الانتداب الأجنبي، ورمزًا للحرية والسيادة الوطنية، وبداية مرحلة بناء الدولة السورية المستقلة ذات القرار الحر.
- ما هو الانتداب الفرنسي على سوريا؟
- هو شكل من أشكال السيطرة الاستعمارية التي فرضتها فرنسا على سوريا ولبنان بقرار من عصبة الأمم بعد الحرب العالمية الأولى، واستمر من عام 1920 حتى عام 1946، وشهد مقاومة سورية شديدة.

English
español
français
português
русский
العربية
简体中文 




