المركبة الفضائية فوييجر 2 تقترب من أقرب نقطة إلى زحل.

في رحلةٍ تاريخية بدأت قبل عقود، يُمثّل المسبار الفضائي فوييجر 2 شهادةً بارزة على براعة البشرية وقدرتها على استكشاف أعمق أسرار الكون. أطلقته وكالة ناسا للفضاء في 20 أغسطس 1977، لم يكن فوييجر 2 مجرد مسبار آخر، بل كان رائدًا في مهمة طموحة لدراسة الكواكب الخارجية لنظامنا الشمسي والانطلاق إلى الفضاء بين النجوم الواقع وراء الغلاف الشمسي للشمس.

كجزءٍ من برنامج فوييجر المزدوج الشهير، انطلق فوييجر 2 قبل 16 يومًا من إطلاق توأمه فوييجر 1. لكن مساره كان مختلفًا ومخططًا بعناية، فقد استغرق وقتًا أطول للوصول إلى عملاقي الغاز، المشتري وزحل، وذلك تحديدًا لإتاحة الفرصة للقاءات فريدة وتاريخية مع عملاقي الجليد الباردين، أورانوس ونبتون. هذه الاستراتيجية جعلت من فوييجر 2 المركبة الفضائية الوحيدة التي زارت مزيجًا من أيٍّ من عمالقة الغاز وكلا الكوكبين الجليديين العملاقين. علاوة على ذلك، كان فوييجر 2 الرابع من بين خمس مركبات فضائية فقط تمكنت من تحقيق سرعة الإفلات من الجاذبية الشمسية، وهو إنجاز حاسم يسمح للمركبة بمغادرة النظام الشمسي إلى الأبد.

رحلة استكشافية كبرى: زيارات تاريخية للكواكب الخارجية

لقد نجح فوييجر 2 في إنجاز مهمته الأساسية بتفوق، مقدمًا للبشرية كنوزًا من البيانات والصور التي غيرت فهمنا للكواكب الخارجية:

بعد إنجاز هذه الرحلة الكبرى بنجاحٍ باهر، يواصل فوييجر 2 مهمته الموسعة، التي تركز الآن على دراسة الفضاء بين النجوم، وهي منطقة لم يتم استكشافها إلا حديثًا من قبل البشرية.

الغوص في الفضاء بين النجوم والتواصل المستمر

اعتبارًا من 28 مارس 2022 بالتوقيت العالمي المنسق، كان فوييجر 2 يعمل لمدة 44 عامًا و7 أشهر و7 أيام، وهو دليلٌ مذهل على متانته الهندسية. وفي 9 فبراير 2022، وصل المسبار إلى مسافةٍ هائلة بلغت 130.1 وحدة فلكية (ما يعادل 19.463 مليار كيلومتر أو 12.094 مليار ميل) من الأرض، مواصلاً الابتعاد عنا بسرعةٍ لا تُصدق. وفي لحظةٍ تاريخية أخرى، دخل المسبار الفضاء بين النجوم في 5 نوفمبر 2018، على مسافة 122 وحدة فلكية (أي حوالي 18.3 مليار كيلومتر أو 11.3 مليار ميل، أو ما يقرب من 16.58 ساعة ضوئية) من الشمس، وهو يتحرك بسرعة 15.341 كيلومترًا في الثانية (حوالي 34320 ميلًا في الساعة) بالنسبة لنجمنا. بهذا، غادر فوييجر 2 الغلاف الشمسي للشمس، وهي الفقاعة الضخمة من الرياح الشمسية التي تحيط بنظامنا، وبدأ في السفر عبر الوسط النجمي (ISM)، وهو المنطقة الشاسعة من الفضاء الخارجي الواقعة خارج نطاق تأثير النظام الشمسي. بهذا الانجاز، انضم إلى فوييجر 1، الذي كان قد وصل إلى الوسط النجمي في عام 2012.

منذ دخوله الفضاء بين النجوم، بدأ فوييجر 2 في توفير أول قياسات مباشرة لكثافة ودرجة حرارة البلازما بين النجوم، وهي بيانات لا تقدر بثمن تساعد العلماء على فهم بيئة المجرة المحيطة بنظامنا الشمسي بشكلٍ أفضل.

التحديات في التواصل والصمود التكنولوجي

على الرغم من المسافات الشاسعة والعقود الطويلة، يبقى فوييجر 2 على اتصالٍ حيوي بالأرض من خلال شبكة الفضاء السحيق (DSN) التابعة لناسا، وهي شبكة عالمية من الهوائيات العملاقة. ومع ذلك، لم تخلو هذه الرحلة الطويلة من التحديات. في عام 2020، أدت أعمال صيانة روتينية لشبكة الفضاء السحيق إلى قطع الاتصال الخارجي مع المسبار لمدة ثمانية أشهر، مما أثار قلقًا واسعًا في المجتمع العلمي. لحسن الحظ، تمت إعادة الاتصال بنجاح في 2 نوفمبر 2020، عندما أُرسلت سلسلة من التعليمات إلى المسبار وتم تنفيذها لاحقًا، ليعود المسبار ويرسل رسالة اتصال ناجحة تؤكد عودته للعمل. وفي 12 فبراير 2021، استعيدت الاتصالات الكاملة مع المسبار بعد ترقية رئيسية استغرقت عامًا واحدًا لإنجازها على هوائي الاتصالات DSS 43، الواقع بالقرب من كانبرا، أستراليا. يُعد هذا الهوائي هو المسؤول الوحيد عن إرسال واستقبال البيانات من فوييجر 2، مما يؤكد الدور الحيوي للتعاون الدولي في أعمق مهام استكشاف الفضاء.

الأسئلة الشائعة (FAQs)

متى تم إطلاق فوييجر 2؟
تم إطلاق المسبار الفضائي فوييجر 2 بواسطة وكالة ناسا في 20 أغسطس 1977.
ما هو الهدف الرئيسي لمهمة فوييجر 2؟
هدفت مهمة فوييجر 2 في البداية إلى دراسة الكواكب الخارجية (المشتري، زحل، أورانوس، نبتون)، والآن يركز على استكشاف الفضاء بين النجوم وراء الغلاف الشمسي للشمس.
ما الذي يميز مسار فوييجر 2 عن فوييجر 1؟
على الرغم من إطلاقه قبل فوييجر 1، تم تصميم مسار فوييجر 2 ليأخذ وقتًا أطول للوصول إلى المشتري وزحل، مما سمح له بالقيام بلقاءات فريدة مع أورانوس ونبتون، الكوكبين الجليديين العملاقين، ليصبح المسبار الوحيد الذي زارهما.
ما هي الكواكب التي زارها فوييجر 2؟
نجح فوييجر 2 في زيارة أنظمة الكواكب التالية: المشتري (1979)، زحل (1981)، أورانوس (1986)، ونبتون (1989).
هل غادر فوييجر 2 النظام الشمسي؟
نعم، دخل فوييجر 2 الفضاء بين النجوم في 5 نوفمبر 2018، بعد مغادرته الغلاف الشمسي للشمس، وهو الآن يسافر عبر الوسط النجمي.
ما هي البيانات التي يجمعها فوييجر 2 حاليًا؟
يقوم فوييجر 2 بجمع أول قياسات مباشرة لكثافة ودرجة حرارة البلازما بين النجوم، مما يوفر رؤى حيوية حول البيئة المحيطة بنظامنا الشمسي.
كيف تتصل ناسا بفوييجر 2 على هذه المسافة الشاسعة؟
يتم الاتصال بفوييجر 2 عبر شبكة الفضاء السحيق (DSN) التابعة لناسا، وتحديدًا من خلال هوائي DSS 43 الضخم الموجود بالقرب من كانبرا، أستراليا.
هل واجه فوييجر 2 أي تحديات في الاتصال مؤخرًا؟
نعم، في عام 2020، انقطع الاتصال لمدة ثمانية أشهر بسبب أعمال صيانة لشبكة DSN. تمت إعادة الاتصال بنجاح في نوفمبر 2020، واستعيدت الاتصالات الكاملة في فبراير 2021 بعد ترقية الهوائي.