جوس جريسوم ، طيار ورائد فضاء أمريكي (مواليد 1926)

فيرجيل إيفان "جاس" غريسوم (3 أبريل 1926 – 27 يناير 1967) كان أحد أبرز رواد الفضاء الأمريكيين الذين شكلوا ملامح فجر استكشاف الفضاء البشري. بصفته طيارًا قديرًا في سلاح الجو الأمريكي (USAF) وعضوًا محوريًا في مجموعة "ميركوري السبعة" (Mercury Seven) الأسطورية التي اختارتها وكالة ناسا (NASA)، كان غريسوم في طليعة الجهود الأمريكية لإرسال البشر إلى الفضاء الخارجي، وترك بصمة لا تُمحى في تاريخ استكشاف الفضاء.

نشأته ومسيرته العسكرية

وُلد غريسوم في ميتشل، إنديانا، ونشأ في بيئة ريفية غرسَت فيه قيم الاجتهاد والمثابرة. التحق بجيش القوات الجوية الأمريكية خلال الحرب العالمية الثانية كطالب طيران، مظهرًا شغفه بالطيران منذ سن مبكرة، على الرغم من أن الحرب انتهت قبل أن يرى أي عمل قتالي مباشر. بعد انتهاء الحرب وتسريحه من الخدمة، سعى غريسوم إلى تعزيز تعليمه الأكاديمي، فحصل على درجة البكالوريوس في الهندسة الميكانيكية من جامعة بوردو عام 1950. كانت هذه الخلفية الهندسية، جنبًا إلى جنب مع مهاراته التجريبية، أساسًا متينًا لمسيرته المستقبلية.

عاد غريسوم لينضم إلى القوات الجوية الأمريكية من جديد، حيث نال جناحي الطيران عام 1951. سرعان ما وجد نفسه في قلب الأحداث، حيث أتم 100 مهمة قتالية جريئة خلال الحرب الكورية، مما أكسبه خبرة لا تقدر بثمن في ظروف القتال وتحت الضغط. بعد عودته إلى الولايات المتحدة، عمل مدربًا للطيران في قاعدة برايان الجوية في تكساس، ثم واصل تطوير قدراته بالالتحاق بمعهد القوات الجوية الأمريكية للتكنولوجيا لمدة عام، حيث حصل على درجة البكالوريوس في ميكانيكا الطيران. كما خضع لتدريب مكثف كطيار اختبار في قاعدة إدواردز الجوية الشهيرة في كاليفورنيا، والتي تُعرف بأنها مهد رواد الفضاء ومهندسي الطيران، قبل أن يتم تعيينه كطيار اختبار في قاعدة رايت باترسون الجوية في أوهايو. هذه المسيرة المهنية العسكرية الحافلة بالبطولات والإنجازات مهدت له الطريق ليصبح جزءًا من التاريخ.

رحلاته الفضائية وإسهاماته في ناسا

مشروع ميركوري: ليبرتي بيل 7

في عام 1959، اختارت وكالة ناسا فيرجيل "جاس" غريسوم ليكون واحدًا من "ميركوري السبعة"، وهي المجموعة الأولى من رواد الفضاء الأمريكيين التي أُوكلت إليها مهمة إرسال البشر إلى الفضاء كجزء من مشروع ميركوري. كان هذا الاختيار بمثابة إعلان عن حقبة جديدة من الإنجاز البشري والتحدي السوفيتي في سباق الفضاء.

في 21 يوليو 1961، صنع غريسوم التاريخ كـ ثاني أمريكي يطير في الفضاء (بعد آلان شيبارد)، حيث قاد مهمة ميركوري-ريدستون 4 (Mercury-Redstone 4) على متن الكبسولة التي أُطلق عليها اسم "ليبرتي بيل 7" (Liberty Bell 7). كانت هذه الرحلة شبه المدارية الثانية للولايات المتحدة، ونجح غريسوم في إنجاز مهامه الفضائية. ولكن بعد هبوط الكبسولة بسلام في المحيط الأطلسي، وقع حادث مفاجئ ومثير للجدل. فقد انفجر باب الكبسولة (فتحة الدخول والخروج) قبل الأوان، مما أدى إلى تدفق مياه البحر إلى الداخل وغرق المركبة. في تلك اللحظات الحرجة، كافح غريسوم للخروج من الكبسولة التي كانت تغرق بسرعة، وتمكنت مروحيات الإنقاذ من سحبه إلى بر الأمان. أثارت الحادثة تساؤلات كثيرة حول سلامة الأبواب وأدت إلى تحقيق شامل، حيث خلصت ناسا في النهاية إلى أن الانفجار كان على الأرجح بسبب خطأ بشري أو عطل ميكانيكي غير متوقع، وقد بُرئ غريسوم من أي تقصير، لكن الحادث تركه مع وصمة عار غير مستحقة ظل يعاني منها لسنوات.

مشروع جيميني: مولي براون

بعد تجربته في مشروع ميركوري، واصل غريسوم مسيرته الرائدة في برنامج جيميني (Project Gemini)، الذي كان يهدف إلى تطوير تقنيات اللقاء والالتحام الفضائي الضرورية لبرنامج أبولو اللاحق. في 23 مارس 1965، قاد غريسوم مهمة جيميني 3 (Gemini 3) الناجحة، والتي أُطلق عليها اسم "مولي براون" (Molly Brown) - في إشارة خفيفة الظل إلى "المرأة التي لا تغرق" (The Unsinkable Molly Brown) بعد حادثة ليبرتي بيل 7، مما يعكس روحه المرحة وقدرته على تجاوز الصعاب. كانت هذه أول مهمة مأهولة لبرنامج جيميني، وقد أجرى فيها غريسوم وزميله جون يونج مناورات مدارية حاسمة، مما أثبت قدرة المركبة على تغيير مدارها والتحكم فيه بدقة. لقد كان غريسوم ثاني أمريكي يطير في الفضاء مرتين، سبقه فقط جو ووكر برحلاته شبه المدارية على متن الطائرة الصاروخية X-15. كانت مهمة جيميني 3 نقطة تحول، مهدت الطريق للمهام الأطول والأكثر تعقيدًا التي أدت في النهاية إلى الهبوط على القمر.

برنامج أبولو: المأساة في أبولو 1

مع تصاعد السباق إلى القمر، تم اختيار غريسوم كقائد لطاقم المهمة الأولى المأهولة لبرنامج أبولو، وهي AS-204، التي عُرفت لاحقًا باسم "أبولو 1" (Apollo 1). كان غريسوم يتطلع بشغف لهذه المهمة التاريخية، التي كان من المقرر أن تكون خطوة عملاقة نحو تحقيق هدف الهبوط على سطح القمر، وكان يدرك تمامًا المخاطر الكامنة في هذه المغامرة.

ولكن القدر كان له كلمة أخرى. في 27 يناير 1967، وخلال اختبار روتيني قبل الإطلاق في كيب كانافيرال (الآن مركز كينيدي للفضاء) بفلوريدا، اندلع حريق مفاجئ ومدمر داخل كبسولة أبولو 1. أودت هذه المأساة بحياة القائد غريسوم وزميليه رائدي الفضاء إد وايت (Ed White) وروجر ب. تشافي (Roger B. Chaffee) على الفور، بسبب بيئة الكبسولة المليئة بالأكسجين النقي وصعوبة فتح الباب من الداخل. كانت الفاجعة صدمة للمجتمع العلمي والعالم أجمع، وأدت إلى تعليق برنامج أبولو لإجراء تحقيق شامل وتعديلات جذرية في التصميم وإجراءات السلامة، بما في ذلك إزالة الأكسجين النقي كجزء من إجراءات ما قبل الإطلاق وتصميم باب يفتح بسهولة أكبر. لقد كان غريسوم ورفيقاه رواد الفضاء أول ضحايا برنامج أبولو، وتضحيتهم لم تذهب سدى، إذ مهدت الطريق لبرنامج أبولو الأكثر أمانًا الذي حقق في النهاية هدف الهبوط على القمر.

الإرث والتكريمات

ترك فيرجيل "جاس" غريسوم إرثًا لا يُمحى من الشجاعة والتفاني في خدمة بلاده وتقدم البشرية. كان مهندسًا دقيقًا، وطيارًا جريئًا، ورائد فضاء يتمتع بروح لا تلين. تكريمًا لبطولاته ومساهماته الجليلة، حصل غريسوم على العديد من الأوسمة والجوائز المرموقة، منها:

يُذكر غريسوم اليوم كرمز للشجاعة والمثابرة، ورائد من رواد الفضاء الأوائل الذين خاطروا بحياتهم لفتح الحدود الجديدة لاستكشاف الفضاء، وظلت روحه الملهمة جزءًا لا يتجزأ من تاريخ ناسا وأحد الوجوه التي تذكرنا بالتكلفة الباهظة للتقدم البشري.

الأسئلة المتكررة (FAQs)

من هو فيرجيل "جاس" غريسوم؟
كان فيرجيل "جاس" غريسوم طيارًا في سلاح الجو الأمريكي وأحد أعضاء مجموعة "ميركوري السبعة" الأولى من رواد الفضاء الذين اختارتهم ناسا. كان ثاني أمريكي يطير في الفضاء وشارك في برامج ميركوري وجيميني وأبولو.
ما هي أهم مهامه الفضائية؟
شارك غريسوم في ثلاث مهام فضائية رئيسية: كبسولة ميركوري-ريدستون 4 (ليبرتي بيل 7) في عام 1961، ومهمة جيميني 3 (مولي براون) في عام 1965، وكان قائد طاقم أبولو 1 في عام 1967.
ماذا حدث أثناء رحلة ليبرتي بيل 7؟
بعد هبوط ناجح للكبسولة ليبرتي بيل 7 في المحيط الأطلسي، انفجر باب الكبسولة (الفتحة) قبل الأوان، مما أدى إلى غرقها. تمكن غريسوم من النجاة وتم إنقاذه، وبعد تحقيق، بُرئ من أي تقصير في الحادث.
كيف توفي جاس غريسوم؟
توفي جاس غريسوم في 27 يناير 1967، إلى جانب زميليه رائدي الفضاء إد وايت وروجر ب. تشافي، خلال حريق اندلع داخل كبسولة أبولو 1 أثناء اختبار روتيني قبل الإطلاق في كيب كانافيرال، فلوريدا.
ما هو إرث جاس غريسوم؟
يُذكر غريسوم كبطل رائد أسهم بشكل كبير في بدايات استكشاف الفضاء الأمريكي. كانت تضحياته، خاصة في حادث أبولو 1، حافزًا لإجراء تحسينات جذرية في السلامة أدت إلى نجاح برنامج أبولو في النهاية.
هل كان أول أمريكي يطير في الفضاء مرتين؟
لا، كان جاس غريسوم ثاني أمريكي يطير في الفضاء مرتين. سبقه إلى ذلك الطيار جو ووكر برحلاته شبه المدارية على متن الطائرة الصاروخية X-15.