دبليو إس جيلبرت ، كاتب مسرحي وشاعر إنجليزي (ب 1836)

يُعد السير ويليام شوينك جيلبرت (18 نوفمبر 1836 - 29 مايو 1911) أيقونةً أدبيةً وثقافيةً إنجليزيةً بارزةً، اشتهر بكونه كاتبًا مسرحيًا، ومؤلفًا للأغاني، وشاعرًا، ورسامًا. إلا أن بصمته الأعمق في تاريخ الفن تكمن في شراكته الفنية الخالدة مع الملحن اللامع السير آرثر سوليفان. هذه الشراكة الثنائية، التي امتدت لعقود من الزمن، أثمرت عن أربع عشرة أوبرا كوميدية تُعرف اليوم عالميًا بـ "أوبرا سافوي"، والتي لا تزال تحتل مكانةً رفيعةً في قلب المسرح الموسيقي العالمي.

تحف فنية خالدة من إبداع جيلبرت وسوليفان

من بين هذه الأعمال الكوميدية الغنائية، برزت أسماءٌ أصبحت جزءًا لا يتجزأ من التراث الفني العالمي. تُعد "إتش إم إس بينافور" (H.M.S. Pinafore) و"قراصنة بنزانس" (The Pirates of Penzance) و"الميكادو" (The Mikado) من أشهرها على الإطلاق. وقد نالت "الميكادو" شهرةً خاصةً كواحدة من أكثر الأعمال أداءً في تاريخ المسرح الموسيقي، وما زالت تُقدم مرارًا وتكرارًا حتى يومنا هذا. لقد حظيت هذه الأوبرات بشعبيةٍ جارفةٍ واستمرت لأكثر من قرن، بفضل العروض المتواصلة التي قدمتها شركة "دويلي كارت أوبرا" (D'Oyly Carte Opera Company). هذه الشركة، التي أسسها جيلبرت وسوليفان بالتعاون مع منتجهم المبتكر ريتشارد دي أويلي كارت، كانت المسؤولة عن الحفاظ على هذا الإرث الفني وتقديمه للجمهور في بريطانيا وخارجها على مدار العام. وحتى يومنا هذا، تستمر "أوبرا سافوي" في جذب الجماهير وتقديمها بشكلٍ متكررٍ في جميع أنحاء العالم الناطق باللغة الإنجليزية وخارجه، مما يؤكد على خلودها وأهميتها الثقافية.

مسيرة جيلبرت الفنية وتطور أسلوبه

كان الإنتاج الإبداعي لجيلبرت واسعًا ومتنوعًا، حيث شمل أكثر من 75 مسرحية وليبريتو (نصوص أوبرالية)، بالإضافة إلى العديد من القصص القصيرة والقصائد والأشعار، التي تراوحت بين الفكاهي والجاد. بدأ جيلبرت مسيرته المهنية في مجالاتٍ تقليدية؛ فبعد فترةٍ وجيزةٍ كموظف حكومي ومن ثم محامٍ، قرر التفرغ لشغفه الحقيقي بالكتابة. في ستينيات القرن التاسع عشر، بدأ جيلبرت بالتركيز على كتابة الأبيات الشعرية الخفيفة، والتي جمع بعضها في مجموعته الشهيرة "حكايات باب" (Bab Ballads)، بالإضافة إلى القصص القصيرة والمراجعات المسرحية والرسوم التوضيحية، وكثيرًا ما كان ينشر أعماله في مجلة "فن" (Fun) الفكاهية. في هذه الفترة، بدأ أيضًا في كتابة المسرحيات الهزلية وأولى مسرحياته الكوميدية، حيث طور أسلوبًا فريدًا من نوعه يُعرف بـ "أسلوب رأسي الرأس" (topsy-turvy style). تميز هذا الأسلوب بالعبثية المنطقية وقلب المفاهيم التقليدية رأسًا على عقب، مما أتاح له فرصة نقد المجتمع والسياسة بطريقةٍ فكاهيةٍ وذكيةٍ في آن واحد. لم يقتصر إبداعه على الكتابة فحسب، بل اشتهر جيلبرت أيضًا بتطوير طريقة واقعية في الإخراج المسرحي، وكان يُعرف عنه بكونه مخرجًا صارمًا ودقيقًا يحرص على أدق التفاصيل.

مراحل التعاون مع سوليفان

خلال سبعينيات القرن التاسع عشر، كانت فترةً غزيرةً في إنتاج جيلبرت، حيث كتب 40 مسرحية وليبريتو، تضمنت مسرحياته الكوميدية الموسيقية لـ "جيرمان ريد إنترتينمنتس" (German Reed Entertainments)، وعدة "كوميديات خرافية" شعرية مكتوبة بالنثر الحر، وبعض المسرحيات الجادة. في هذه الفترة، بدأت شراكته الأسطورية مع سوليفان، حيث أنتجا أول خمس أوبرا كوميدية مشتركة: "ثيسبيس" (Thespis)، "محاكمة من قبل هيئة المحلفين" (Trial by Jury)، "الساحر" (The Sorcerer)، "إتش إم إس بينافور" (H.M.S. Pinafore)، و"قراصنة بنزانس" (The Pirates of Penzance).
في ثمانينيات القرن التاسع عشر، واصل جيلبرت وسوليفان تعاونهما المثمر، مع التركيز على أعمال "أوبرا سافوي" الأكثر شهرة. خلال هذا العقد، شهد العالم ولادة تحفٍ فنيةٍ مثل "الصبر" (Patience)، و"إيولانثي" (Iolanthe)، و"الميكادو" (The Mikado) التي ذكرناها سابقًا، بالإضافة إلى "حراس البرج" (The Yeomen of the Guard)، و"الجندوليون" (The Gondoliers). هذه الأعمال لم تكتفِ بتأكيد مكانتهما كقوة إبداعية، بل رسخت أيضًا نوعًا جديدًا من المسرح الموسيقي البريطاني.

"خلاف السجاد" ونهاية الشراكة

في عام 1890، وبعد عقدٍ طويلٍ ومثمرٍ من الشراكة الإبداعية، نشأ خلافٌ شهيرٌ بين جيلبرت وسوليفان والمنتج ريتشارد دي أويلي كارت. عُرف هذا النزاع باسم "خلاف السجاد" (The Carpet Quarrel)، واندلع بسبب مسائل تتعلق بالنفقات في مسرح سافوي، خاصةً تكلفة شراء سجادة جديدة. على الرغم من أن جيلبرت ربح الدعوى القضائية التي تلت ذلك، إلا أن هذا الخلاف تسبب في جرح المشاعر وتوتر العلاقة بين الشركاء الثلاثة، مما أثر سلبًا على استمرارية تعاونهم. وعلى الرغم من الجهود المبذولة لإقناع جيلبرت وسوليفان بالتعاون في أوبرا أخيرة، إلا أن هذا العمل الأخير لم يحقق نفس النجاح الباهر الذي حققته أعمالهما السابقة، وهو ما يُعزى جزئيًا إلى التداعيات العاطفية للخلاف. في السنوات اللاحقة، واصل جيلبرت الكتابة، حيث ألف العديد من المسرحيات وبعض الأوبرات بالتعاون مع مؤلفين آخرين، لكن لم يُعاد إنتاج السحر الفني الذي كان يميز شراكته مع سوليفان.

سنوات التقاعد والوفاة

تقاعد السير ويليام جيلبرت مع زوجته لوسي وجناحهم نانسي ماكنتوش، منتقلًا للعيش في عقارهم الريفي الجميل "غريمز دايك" (Grim's Dyke). تقديراً لإسهاماته الجليلة في الأدب والمسرح الإنجليزي، نال جيلبرت لقب فارس عام 1907. وفي نهاية حياته، توفي جيلبرت بطريقةٍ تعكس شهامته وشجاعته النبيلة. ففي 29 مايو 1911، أصيب بنوبة قلبية أثناء محاولته إنقاذ امرأة شابة كان يعطيها درسًا في السباحة في البحيرة الموجودة بحديقة منزله، لتُسدل الستار على حياة حافلة بالإبداع والتفاني.

إرث وتأثير جيلبرت

لم يقتصر تأثير مسرحيات جيلبرت على جيله فحسب، بل امتد ليُلهم كبار الكتاب المسرحيين اللاحقين، مثل أوسكار وايلد وجورج برنارد شو، اللذين اعترفا ببراعته في الحوار وابتكاره في بناء الشخصيات. والأهم من ذلك، أن أوبراته الكوميدية التي ألفها بالتعاون مع سوليفان كانت بمثابة حجر الزاوية في تطور المسرح الموسيقي الأمريكي، وخصوصًا تأثيرها الكبير على مؤلفي موسيقى برودواي وكتاب الأغاني في بدايات القرن العشرين. وقد لخّص "تاريخ كامبريدج للأدب الإنجليزي والأمريكي" إرث جيلبرت بقوله إن "سهولة جيلبرت الغنائية وإتقانه للمقياس قد رفعا الجودة الشعرية للأوبرا الهزلية إلى موقع لم تصل إليه من قبل ولم تصل إليه منذ ذلك الحين"، وهو شهادةٌ بليغةٌ على مكانته الفريدة في تاريخ الأدب المسرحي والموسيقي.

الأسئلة المتكررة (FAQs)

من هو السير ويليام شوينك جيلبرت؟
هو كاتب مسرحي، ومؤلف أغاني، وشاعر، ورسام إنجليزي بارز (1836-1911)، اشتهر بشكل خاص بشراكته الإبداعية مع الملحن آرثر سوليفان، حيث أنتجا معًا أربعة عشر أوبرا كوميدية تُعرف بأوبرا سافوي.
ما هي أشهر أعمال جيلبرت وسوليفان؟
من أشهر أعمالهما "إتش إم إس بينافور" (H.M.S. Pinafore)، و"قراصنة بنزانس" (The Pirates of Penzance)، و"الميكادو" (The Mikado)، التي تُعد واحدة من أكثر الأعمال أداءً في تاريخ المسرح الموسيقي.
ما هو أسلوب جيلبرت "رأسي الرأس" (topsy-turvy)؟
هو أسلوب فريد في الكتابة المسرحية يتميز بالعبثية المنطقية وقلب المفاهيم والتوقعات التقليدية رأسًا على عقب، مما سمح لجيلبرت بتقديم نقدٍ اجتماعيٍ وسياسيٍ لاذعٍ بطريقةٍ فكاهيةٍ ومسليةٍ.
كيف أثرت أعمال جيلبرت وسوليفان على المسرح؟
لقد ألهمت مسرحياتهما الكوميدية تطور المسرح الموسيقي الأمريكي بشكل كبير، وخصوصًا مؤلفي موسيقى برودواي وكتاب الأغاني، كما أثرت على كُتاب مسرحيين آخرين مثل أوسكار وايلد وجورج برنارد شو.
ما هو "خلاف السجاد"؟
هو نزاعٌ شهيرٌ حدث عام 1890 بين جيلبرت وسوليفان والمنتج ريتشارد دي أويلي كارت بشأن النفقات المالية في مسرح سافوي، خاصةً تكلفة شراء سجادة جديدة. على الرغم من أن جيلبرت ربح الدعوى القضائية، إلا أنه تسبب في توتر العلاقات بين الشركاء وأثر على استمرارية تعاونهم.
كيف توفي السير ويليام جيلبرت؟
توفي السير ويليام جيلبرت بنوبة قلبية في 29 مايو 1911، بينما كان يحاول إنقاذ امرأة شابة كان يعطيها درسًا في السباحة في البحيرة الموجودة في حديقة منزله.