بعد غزو الولايات البابوية قبل أسبوع ، فرض الجيش الإيطالي حصارًا على روما ، ودخل المدينة في اليوم التالي ، وبعد ذلك وصف البابا نفسه بأنه سجين في الفاتيكان.
لطالما كانت الولايات البابوية، أو كما عُرفت رسميًا باسم "دولة الكنيسة"، كيانًا فريدًا في تاريخ شبه الجزيرة الإيطالية، حيث مثّلت سلسلة من الأراضي الخاضعة للحكم السيادي المباشر للبابا. امتد وجود هذه الدولة اللاهوتية-الزمنية على مدى أحد عشر قرنًا تقريبًا، من عام 756 ميلادي حتى عام 1870، وشكّلت إحدى القوى الرئيسية في إيطاليا منذ القرن الثامن الميلادي وحتى إتمام عملية توحيد إيطاليا.
نشأة وتطور الولايات البابوية
تعود جذور الولايات البابوية إلى ظهور المسيحية وانتشارها في مختلف أنحاء إيطاليا، والذي تزامن مع تزايد النفوذ الروحي والاجتماعي للكنيسة المسيحية. مع اضمحلال نفوذ الإمبراطورية البيزنطية في إيطاليا بحلول منتصف القرن الثامن، وجدت البابوية نفسها تتمتع بسلطة فعلية على مناطق واسعة، ملءً للفراغ السياسي الذي خلّفه تراجع القوى الإمبراطورية. لم تكن هذه السلطة مجرد أمر واقع، بل تعززت عبر تبرعات سخية من حكام مسيحيين أقوياء، كان أبرزهم ملك الفرنجة بيبين القصير، الذي يُعتبر "تبرعه" بالأراضي عام 756 ميلادي حجر الزاوية لتأسيس الولايات البابوية، وابنه الإمبراطور شارلمان، الذي أكد هذه التبرعات ووسعها.
خلال عصر النهضة، توسعت الأراضي البابوية بشكل ملحوظ، وأصبح البابا ليس فقط رأس الكنيسة الكاثوليكية الروحي، بل أيضًا أحد أهم الحكام العلمانيين والدنيويين في إيطاليا، متورطًا في سياسات القوة والصراعات الدائرة بين الدول الإيطالية. في أوج قوتها، غطت الولايات البابوية مساحات شاسعة من إيطاليا الحديثة، بما في ذلك أقاليم لاتسيو (التي تضم روما) وماركي وأومبريا ورومانيا وأجزاء من إميليا. كانت هذه الممتلكات تُعتبر تجسيدًا للسلطة الزمنية للبابا، وهو جانب مميز عن أسبقيته الكنسية الروحية.
الولايات البابوية في عصر توحيد إيطاليا
في القرن التاسع عشر، ومع اجتياح موجة القومية لشبه الجزيرة الإيطالية وتصاعد حركة "النهضة" (Risorgimento) الرامية لتوحيد البلاد، أصبحت الولايات البابوية عائقًا رئيسيًا أمام تحقيق هذه الوحدة. فقد كانت هذه الأراضي تقسم إيطاليا إلى شطرين، وتمتد عبر منتصف شبه الجزيرة، وتشمل مدينة روما التاريخية التي كان القوميون الإيطاليون يرون فيها العاصمة الطبيعية لأمتهم الموحدة.
تمكنت الولايات البابوية من مقاومة جهود الغزو والضم لفترة طويلة، مستفيدة بشكل كبير من النفوذ الدبلوماسي للبابا على قادة القوى الأوروبية الكبرى، مثل فرنسا والنمسا، التي كانت ترغب في الحفاظ على الوضع الراهن وعلى سلطة البابا الزمنية.
السقوط و"سجين الفاتيكان"
مع ذلك، بحلول عام 1861، تمكنت مملكة إيطاليا الموحدة حديثًا من غزو وضم معظم أراضي الولايات البابوية. ولم يتبق تحت سيطرة البابا الزمنية سوى إقليم لاتسيو، بما في ذلك روما. لكن هذا الوضع لم يدم طويلاً، ففي عام 1870، ومع سقوط الإمبراطورية الفرنسية التي كانت توفر الحماية للبابا، انتهزت القوات الإيطالية الفرصة لدخول روما في 20 سبتمبر، منهية بذلك حكم الباباوات الزمني الذي دام لأكثر من ألف عام.
بعد سقوط روما، فقد البابا بيوس التاسع جميع أراضيه المادية باستثناء منطقة صغيرة جدًا تتضمن كنيسة القديس بطرس والمقر البابوي والمباني المحيطة بحي الفاتيكان داخل روما. وعلى الرغم من أن الدولة الإيطالية الجديدة لم تحتل عسكريًا هذه المنطقة الصغيرة، إلا أنها ضمت إقليم لاتسيو بالكامل. رفض البابا بيوس التاسع الاعتراف بالدولة الإيطالية الجديدة أو بقوانينها المتعلقة بالبابوية، واعتبر نفسه "سجينًا في الفاتيكان" (بالإيطالية: Prigioniero nel Vaticano)، رافضًا مغادرة أسوار الفاتيكان لتجنب أي مظهر من مظاهر قبول سلطة الحكومة الإيطالية على روما ككل.
امتدت هذه الفترة، المعروفة باسم "مسألة روما" (Roman Question)، من عام 1870 حتى عام 1929. خلال هذه العقود، امتنع الباباوات المتعاقبون - من بيوس التاسع إلى بيوس الحادي عشر - عن الظهور العلني في ساحة القديس بطرس أو على الشرفة الرئيسية للكاتدرائية المطلة عليها. كانت البركات البابوية "للمدينة والعالم" (Urbi et Orbi) تُمنح من شرفة داخلية تطل على فناء أو من داخل الكنيسة، وعقدت مراسم تتويج الباباوات في كنيسة سيستين بدلًا من الساحة العامة، وكل ذلك كرمز لعدم قبول الوضع الجديد.
الحل: معاهدة لاتران وتأسيس دولة الفاتيكان
انتهت "مسألة روما" في 11 فبراير 1929، عندما تمكن الزعيم الفاشي الإيطالي بينيتو موسوليني، رئيس الحكومة الإيطالية آنذاك، من التفاوض على معاهدة لاتران مع الكرسي الرسولي. وقع الطرفان على هذه المعاهدة التاريخية التي اعترفت بموجبها إيطاليا بسيادة الكرسي الرسولي على كيان إقليمي دولي جديد ومستقل: دولة مدينة الفاتيكان. هذه الدولة، التي أُنشئت داخل روما بحدود رمزية، هي الآن أصغر دولة ذات سيادة في العالم، وحلت بذلك نزاعًا دام قرابة ستة عقود، ممهدة الطريق لعلاقات مستقرة بين إيطاليا والكرسي الرسولي.
الأسئلة الشائعة (FAQs)
- ما هي الولايات البابوية؟
- كانت الولايات البابوية عبارة عن سلسلة من الأراضي في شبه الجزيرة الإيطالية التي خضعت للحكم السيادي المباشر للبابا، ليس فقط كسلطة روحية، بل كحاكم زمني ودنيوي، من عام 756 حتى عام 1870.
- متى وُجدت الولايات البابوية؟
- تأسست الولايات البابوية رسميًا عام 756 ميلادي، واستمرت ككيان سياسي مستقل حتى عام 1870، عندما تم ضمها إلى مملكة إيطاليا الموحدة.
- لماذا سقطت الولايات البابوية؟
- سقطت الولايات البابوية بسبب صعود حركة توحيد إيطاليا (النهضة) في القرن التاسع عشر، والتي اعتبرت وجود هذه الدولة عائقًا أمام تحقيق الوحدة الوطنية. أدت الأحداث العسكرية إلى استيلاء مملكة إيطاليا على أراضيها تدريجيًا، وصولًا إلى روما عام 1870.
- ماذا يعني مصطلح "سجين الفاتيكان"؟
- يشير مصطلح "سجين الفاتيكان" إلى وضع البابا بيوس التاسع وخلفائه (حتى بيوس الحادي عشر) بعد استيلاء القوات الإيطالية على روما عام 1870. رفض الباباوات مغادرة أسوار الفاتيكان أو الاعتراف بسلطة الدولة الإيطالية الجديدة على روما، واعتبروا أنفسهم سجناء داخل هذه المنطقة الصغيرة كشكل من أشكال الاحتجاج والمقاومة الرمزية.
- كيف حُلّت "مسألة روما" في النهاية؟
- حُلّت "مسألة روما" بمعاهدة لاتران عام 1929، التي تم التفاوض عليها بين الحكومة الإيطالية (برئاسة بينيتو موسوليني) والكرسي الرسولي. اعترفت هذه المعاهدة بالسيادة الكاملة للكرسي الرسولي على دولة مدينة الفاتيكان، منهية بذلك النزاع الذي دام حوالي 59 عامًا.
- ما الفرق بين الولايات البابوية ودولة الفاتيكان الحالية؟
- الولايات البابوية كانت كيانًا سياسيًا كبيرًا يغطي مساحات واسعة من وسط إيطاليا، وكان البابا حاكمًا زمنيًا فعليًا لهذه الأراضي. أما دولة مدينة الفاتيكان الحالية، فهي أصغر دولة ذات سيادة في العالم، وتأسست عام 1929، وهي تقتصر على منطقة صغيرة جدًا داخل روما، وتُعد المركز الروحي والإداري للكنيسة الكاثوليكية، مع تركيز سلطة البابا على الجانب الروحي بشكل أساسي.