كانت مملكة إيطاليا (بالإيطالية: Regno d'Italia) كيانًا سياسيًا بارزًا في أوروبا، وُجِدَ لفترة تجاوزت ثمانية عقود ونصف العقد، تحديدًا من عام 1861 حتى عام 1946. وُلِدت هذه المملكة في خضم حركة التوحيد الإيطالي، المعروفة باسم "النهضة" (Risorgimento)، التي كانت تهدف إلى جمع الولايات الإيطالية المتفرقة تحت راية واحدة. تُوِّجت هذه الجهود بإعلان الملك فيكتور عمانويل الثاني، الذي كان آنذاك ملكًا على سردينيا، ملكًا لإيطاليا الموحدة، لتُصبح مملكة سردينيا، بقيادة سلالة سافوي، السلف القانوني لهذا الكيان الجديد.
شهدت المملكة الإيطالية الفتية تطورات سريعة على الساحتين الداخلية والخارجية. ففي عام 1866، أعلنت إيطاليا الحرب على النمسا متحالفةً مع بروسيا، وتمكنت إثر انتصارها من ضم منطقة فينيتو ذات الأهمية الإستراتيجية. وبعد بضع سنوات، في عام 1870، حققت القوات الإيطالية إنجازًا تاريخيًا بدخولها روما، منهيةً بذلك أكثر من ألف عام من السلطة الزمنية للبابوية في المدينة، ومُرسِّخةً روما كعاصمة للمملكة الموحدة.
تحولات التحالفات الخارجية ومشاركتها في الحروب العالمية
على صعيد السياسة الخارجية، دخلت إيطاليا في التحالف الثلاثي مع الإمبراطورية الألمانية والإمبراطورية النمساوية المجرية عام 1882. جاء هذا التحالف في أعقاب خلافات حادة بين إيطاليا وفرنسا حول التوسعات الاستعمارية في شمال إفريقيا. ومع أن العلاقات مع برلين تطورت لتصبح ودية للغاية، إلا أن التحالف مع فيينا ظل شكليًا إلى حد كبير؛ وذلك لأن إيطاليا كانت تطمح في استعادة منطقتي ترينتينو وترييستي، وهما منطقتان واقعتان ضمن النمسا والمجر آنذاك، وتضمان غالبية سكانية إيطالية، وتعتبرهما جزءًا من أراضيها "غير المستردة".
هذا التناقض الجوهري في مصالحها دفع بإيطاليا إلى اتخاذ قرار حاسم خلال الحرب العالمية الأولى. فبدلاً من الوفاء بالتزاماتها تجاه التحالف الثلاثي، قبلت إيطاليا دعوة الحلفاء (بريطانيا وفرنسا وروسيا) للانضمام إليهم. وقد جاء هذا القرار مدفوعًا بوعود القوى الغربية بتعويضات إقليمية سخية على حساب الإمبراطورية النمساوية المجرية، وهي عروض فاقت بكثير ما قدمته فيينا مقابل حياد إيطاليا. وقد كُلِّل انتصار الحلفاء بمكافأة إيطاليا بمقعد دائم في مجلس عصبة الأمم، اعترافًا بدورها في تحقيق النصر.
فترة إيطاليا الفاشية: صعود الدكتاتورية
شهدت الفترة من عام 1922 إلى 1943 ظهور حقبة جديدة في تاريخ إيطاليا، عُرِفت باسم "إيطاليا الفاشية"، التي قادها بينيتو موسوليني، رئيس الحكومة وزعيم الحزب الوطني الفاشي. فرض الفاشيون حكمًا شموليًا على البلاد، قمعوا فيه أي معارضة سياسية أو فكرية، وفي الوقت نفسه، روجوا للتحديث الاقتصادي والقيم الاجتماعية التقليدية وعملوا على تقارب لافت مع الكنيسة الرومانية الكاثوليكية.
وفقًا للمؤرخ باين (1996)، مرت الحكومة الفاشية بمراحل متميزة نسبيًا. كانت المرحلة الأولى (1923-1925) استمرارًا اسميًا للنظام البرلماني، ولكن مع "دكتاتورية تنفيذية منظمة قانونيًا". تلتها المرحلة الثانية، وهي "بناء الدكتاتورية الفاشية الحقيقية"، التي امتدت من عام 1925 إلى عام 1929. أما المرحلة الثالثة، فشهدت نشاطًا أقل من 1929 إلى 1934. وتميزت المرحلة الرابعة (1935-1940) بسياسة خارجية عدوانية، شملت: حربًا ضد إثيوبيا انطلقت من إريتريا الصومال الإيطالية، مما أدى إلى ضمها؛ ومواجهات مع عصبة الأمم أدت إلى فرض عقوبات؛ وزيادة الاعتماد الاقتصادي على الذات؛ وتوقيع "ميثاق الصلب" الذي عزز تحالف إيطاليا مع ألمانيا النازية. كانت الحرب نفسها (1940-1943) هي المرحلة الخامسة بكوارثها وهزائمها، بينما كانت حكومة سالو، الخاضعة للسيطرة الألمانية، هي المرحلة الأخيرة (1943-1945). أصبحت إيطاليا الفاشية عضوًا رئيسيًا في دول المحور خلال الحرب العالمية الثانية.
بحلول عام 1943، أدت الهزيمة الألمانية الإيطالية على جبهات متعددة، وما تبعها من إنزال الحلفاء في صقلية، إلى انهيار النظام الفاشي. وُضع موسوليني قيد الاعتقال بأمر من الملك فيكتور عمانويل الثالث، ووقّعت الحكومة الإيطالية الجديدة هدنة مع الحلفاء في سبتمبر 1943. إلا أن هذه الأحداث لم تضع نهاية للصراع في إيطاليا؛ فقد احتلت القوات الألمانية شمال ووسط إيطاليا، وأقامت الجمهورية الاجتماعية الإيطالية، وهي دولة عميلة متعاونة ظل يقودها موسوليني وأنصاره الفاشيون. نتيجة لذلك، انزلقت البلاد في حرب أهلية مريرة، حيث شارك الجيش الإيطالي في القتال جنبًا إلى جنب مع حركة المقاومة ضد قوات الجمهورية الاجتماعية وحلفائها الألمان. بعد فترة وجيزة من انتهاء الحرب وتحرير البلاد، أدى السخط المدني العام إلى إجراء استفتاء دستوري حاسم حول مصير إيطاليا: هل ستبقى ملكية أم ستتحول إلى جمهورية؟ وقد قرر الإيطاليون، بأغلبية ساحقة، التخلي عن النظام الملكي وتشكيل الجمهورية الإيطالية، التي هي الدولة الإيطالية الحديثة كما نعرفها اليوم.
الحرب اليونانية-الإيطالية: صراع في البلقان خلال الحرب العالمية الثانية
من بين فصول الحرب العالمية الثانية التي كشفت عن نقاط ضعف المحور، تبرز الحرب اليونانية-الإيطالية (المعروفة في اليونان بـ "حرب الأربعين"). دارت رحى هذا الصراع المحلي في منطقة البلقان بين مملكتي إيطاليا واليونان من 28 أكتوبر 1940 حتى 23 أبريل 1941. وقد بدأت هذه الحرب كحملة إيطالية مستقلة قبل أن تتسع لتشمل التدخل البريطاني والألماني، متحولةً في النهاية إلى "معركة اليونان" الأوسع نطاقًا.
في 10 يونيو 1940، كانت إيطاليا قد أعلنت الحرب على فرنسا والمملكة المتحدة، وبحلول سبتمبر من العام ذاته، كانت القوات الإيطالية قد غزت أجزاء من فرنسا والصومال البريطاني ومصر. بالتوازي مع هذه العمليات العسكرية، بدأت حملة صحفية معادية قوية في إيطاليا ضد اليونان، تتهمها بالتحالف مع بريطانيا. بلغت سلسلة من الاستفزازات ذروتها بإغراق الطراد اليوناني الخفيف "إيلي" من قبل الإيطاليين في 15 أغسطس. وفي 28 أكتوبر، أصدر موسوليني إنذارًا أخيرًا لليونان يطالب فيه بالتنازل عن أراضٍ يونانية، وهو ما رفضه رئيس الوزراء اليوناني، يوانيس ميتاكساس، بشجاعة، لتندلع شرارة الحرب.
الفشل الإيطالي والصمود اليوناني
كان الغزو الإيطالي لليونان، الذي انطلق مع فرق الجيش الملكي المتمركزة في ألبانيا الخاضعة للسيطرة الإيطالية، إخفاقًا ذريعًا من البداية. اتسمت هذه العملية بانخفاض الروح المعنوية لدى الجنود الإيطاليين وسوء التخطيط الاستراتيجي. واجه الإيطاليون مقاومة عنيدة وغير متوقعة من قبل الجيش الهيليني الذي أظهر شجاعة وصمودًا كبيرين، كما واجهوا تحديات جمة بسبب التضاريس الجبلية والوحلية الوعرة على الحدود اليونانية الألبانية، والتي أعاقت تقدمهم بشكل كبير. بحلول منتصف نوفمبر، تمكن اليونانيون من إيقاف الغزو الإيطالي داخل الأراضي اليونانية.
مع ضرب القاذفات والمقاتلات البريطانية للقوات والقواعد الإيطالية، أكمل اليونانيون حشدهم وبدأوا هجومًا مضادًا واسع النطاق بالجزء الأكبر من جيشهم لدفع الإيطاليين مرة أخرى إلى ألبانيا. تُوِّج هذا التقدم بالاستيلاء على ممر كليسورا الاستراتيجي في يناير 1941، على بعد عشرات الكيلومترات داخل الحدود الألبانية. وقد وصف المؤرخ مارك مازور هزيمة الغزو الإيطالي والهجوم اليوناني المضاد عام 1940 بأنها "أول نكسة للمحور في الحرب بأكملها"، مشيدًا بـ "الإغريق الذين فاجأوا الجميع بصرامة مقاومتهم".
التدخل الألماني ونهاية الصراع
استقرت الجبهة في فبراير 1941، وبحلول ذلك الوقت، كان الإيطاليون قد عززوا الجبهة الألبانية لتصل قواتهم إلى 28 فرقة مقابل 14 فرقة يونانية (مع الأخذ في الاعتبار أن الفرق اليونانية كانت أكبر حجمًا). في مارس، شن الإيطاليون هجوم الربيع الفاشل، والذي لم يحقق أي مكاسب حقيقية. في هذه المرحلة، كانت الخسائر باهظة من الجانبين، لكن القدرة اليونانية على تعويض خسائرها في الرجال والعتاد كانت أقل بكثير من الإيطاليين، كما كانوا يعانون نقصًا خطيرًا في الذخيرة والإمدادات الأخرى، ويفتقرون إلى القدرة على تدوير رجالهم ومعداتهم على عكس الإيطاليين. خففت الطلبات التي قدمها اليونانيون للبريطانيين للحصول على مساعدات مادية من حدة الموقف جزئيًا، ولكن بحلول أبريل 1941، كان الجيش اليوناني لا يمتلك ذخيرة مدفعية ثقيلة تكفي إلا لشهر إضافي، ولم يكن قادرًا على تجهيز وتعبئة الجزء الأكبر من احتياطياته التي كانت تقدر بما يتراوح بين 200,000 إلى 300,000 جندي.
رأى أدولف هتلر أن التدخل البريطاني المتزايد في الصراع يمثل تهديدًا لمؤخرة ألمانيا، خاصة مع تسارع الحشد الألماني في البلقان بعد انضمام بلغاريا إلى المحور في 1 مارس 1941. بدأت القوات البرية البريطانية بالوصول إلى اليونان في اليوم التالي، مما دفع هتلر لتقديم المساعدة لحليفه في المحور. في 6 أبريل، غزت القوات الألمانية شمال اليونان فيما عُرف بـ "عملية ماريتا". كانت اليونان قد نشرت الغالبية العظمى من رجالها في مواجهة مكلفة مع الإيطاليين على الجبهة الألبانية، تاركة خط ميتاكساس المحصن بثلث قوته المعتمدة فقط. سرعان ما تم التغلب على القوات اليونانية والبريطانية في شمال اليونان، وتقدم الألمان بسرعة غربًا وجنوبًا. في ألبانيا، قام الجيش اليوناني بانسحاب متأخر لتجنب تطويقه من قبل الألمان، لكن الإيطاليين تابعوه ببطء. استسلمت اليونان للقوات الألمانية في 20 أبريل 1941، وللإيطاليين في 23 أبريل 1941. بعد ذلك، احتلت اليونان من قبل القوات البلغارية والألمانية والإيطالية.
تكبد الجيش الإيطالي في هذه الحرب 102,064 ضحية قتالية (مع 13,700 قتيل و 3,900 مفقود)، بالإضافة إلى خمسين ألف مريض؛ بينما عانى اليونانيون أكثر من 90,000 ضحية قتالية (بما في ذلك 14,000 قتيل و 5,000 مفقود) وعدد غير معروف من المرضى، لتكون هذه الحرب شهادة على صمود شعب، وعواقب الطموحات التوسعية في زمن الحرب.
الأسئلة الشائعة (FAQs)
- ما هي مملكة إيطاليا؟
- كانت مملكة إيطاليا كيانًا سياسيًا موحدًا وُجِدَ من عام 1861، عندما أُعلِنَ الملك فيكتور عمانويل الثاني ملكًا لإيطاليا بعد حركة التوحيد، حتى عام 1946، عندما حلت محلها الجمهورية الإيطالية بعد استفتاء شعبي.
- ما المقصود بالـ Risorgimento (النهضة الإيطالية)؟
- الـ Risorgimento هي حركة سياسية واجتماعية شهدتها إيطاليا في القرن التاسع عشر، وهدفت إلى توحيد الولايات الإيطالية المتفرقة تحت راية دولة قومية واحدة. وقد أدت هذه الحركة إلى تأسيس مملكة إيطاليا عام 1861.
- لماذا دخلت إيطاليا في التحالف الثلاثي ثم تحولت إلى الحلفاء في الحرب العالمية الأولى؟
- دخلت إيطاليا في التحالف الثلاثي مع ألمانيا والنمسا-المجر عام 1882 بسبب خلافات استعمارية مع فرنسا. لكنها تحولت للانضمام إلى الحلفاء في الحرب العالمية الأولى (1915) لأن الحلفاء وعدوها بمكاسب إقليمية (خاصة ترينتينو وترييستي) على حساب النمسا-المجر، وهي مناطق اعتبرتها إيطاليا جزءًا من أراضيها التاريخية، وكانت هذه الوعود أكثر جاذبية من البقاء على الحياد أو الالتزام بتحالفها مع قوى المحور.
- ما هي أبرز سمات "إيطاليا الفاشية"؟
- تشير "إيطاليا الفاشية" إلى فترة حكم الحزب الوطني الفاشي بقيادة بينيتو موسوليني من عام 1922 إلى 1943. تميزت هذه الفترة بحكم شمولي، قمع للمعارضة، تحديث اقتصادي، تعزيز للقيم الاجتماعية التقليدية، وتقارب مع الكنيسة الكاثوليكية. كما اتسمت بسياستها الخارجية العدوانية ومشاركتها كعضو قيادي في دول المحور في الحرب العالمية الثانية.
- لماذا شنت إيطاليا الحرب على اليونان في عام 1940؟
- شنت إيطاليا الحرب على اليونان في أكتوبر 1940 كجزء من طموحات موسوليني التوسعية في منطقة البلقان، ورغبته في إظهار قوة إيطاليا كقوة عظمى. جاء ذلك بعد حملة دعائية إيطالية ضد اليونان واتهامات بأنها حليفة لبريطانيا، وتوجت بإنذار إيطالي قوبل بالرفض من قبل اليونان.
- ما الذي أدى إلى نهاية النظام الملكي وتشكيل الجمهورية الإيطالية؟
- بعد هزيمة إيطاليا في الحرب العالمية الثانية وسقوط النظام الفاشي، ساد سخط مدني واسع. في عام 1946، أُجري استفتاء دستوري حول شكل الحكم. قرر الشعب الإيطالي التخلي عن الملكية التي كانت مرتبطة بالنظام الفاشي وويلات الحرب، وتشكيل الجمهورية الإيطالية الحديثة التي لا تزال قائمة حتى اليوم.

English
español
français
português
русский
العربية
简体中文 