نانسي ويك ، قبطان وجاسوس إنجليزي-نيوزيلندي (ب .1912)

تُعد نانسي جريس أوغستا ويك، المعروفة أيضًا باسم نانسي فيوكا، إحدى أبرز شخصيات المقاومة الفرنسية إبان الحرب العالمية الثانية، ورمزًا للشجاعة والتصميم الذي لا يلين. وُلدت ويك في 30 أغسطس 1912، ورحلت عن عالمنا في 7 أغسطس 2011، مخلفةً وراءها إرثًا بطوليًا يروي قصصًا عن تضحيتها الجسيمة ومساهماتها الحاسمة في سبيل تحرير فرنسا من الاحتلال النازي. كانت حياتها مزيجًا فريدًا من الأدوار، حيث عملت ممرضة وصحفية قبل أن تكرس نفسها بالكامل لمهام التجسس والمقاومة، لتصبح لاحقًا ضابطة ضمن إدارة العمليات الخاصة البريطانية (SOE)، ثم تستمر لفترة وجيزة في مسيرة مهنية كضابطة استخبارات بوزارة الطيران بعد انتهاء الحرب.

وقد أشاد بها المؤرخ الرسمي لإدارة العمليات الخاصة، إم آر دي فوت (M.R.D. Foot)، قائلًا إن "معنوياتها العالية والمعدية التي لا يمكن كبتها كانت مصدر بهجة لكل من عمل معها"، مما يسلط الضوء على شخصيتها الكاريزمية وتأثيرها الإيجابي على المحيطين بها في أصعب الظروف.

مسيرة حياة استثنائية: من ويلينغتون إلى المقاومة الفرنسية

بدأت قصة نانسي ويك في ضاحية روزينث بمدينة ويلينغتون، نيوزيلندا. وهي لا تزال طفلة، انتقلت عائلتها أولاً إلى سيدني في أستراليا، حيث أمضت سنوات تكوينها. ومع حلول ثلاثينيات القرن الماضي، وجدت ويك نفسها تنتقل مرة أخرى، هذه المرة إلى باريس الصاخبة، عاصمة فرنسا، لتعمل كصحفية. هناك، التقت بزوجها المستقبلي، الصناعي الفرنسي هنري فيوكا، واستقرا معًا في مدينة مرسيليا الساحلية الساحرة. كانت حياتهما تسير على نحو طبيعي حتى اندلاع شرارة الحرب العالمية الثانية، التي قلبت حياتها رأسًا على عقب، لتستفيق فيها روح المقاومة والشجاعة.

في قلب المقاومة: ساعية شبكة بات أوليري

مع سقوط فرنسا في براثن ألمانيا النازية عام 1940، تحولت نانسي ويك من ربة منزل وصحفية إلى ناشطة سرية. انضمت إلى شبكة الهروب بات أوليري، وهي شبكة سرية بالغة الأهمية كانت مهمتها مساعدة جنود الحلفاء والطيارين الذين سقطوا أو تم إسقاطهم خلف خطوط العدو على الفرار من قبضة الألمان والوصول إلى بر الأمان في إسبانيا المحايدة. تحت قيادة إيان جارو ثم لاحقًا ألبرت جيريس، لعبت ويك دور "الساعي" – وهو دور محفوف بالمخاطر يتطلب شجاعة فائقة ودهاءً لا مثيل له. كانت تنقل الرسائل والوثائق، وترافق الفارين، وتنسق المسارات السرية، لتصبح جزءًا لا يتجزأ من جهود إنقاذ حياة المئات من جنود الحلفاء. سرعان ما اشتهرت بذكائها وقدرتها على التهرب من الرقابة الألمانية، مما أكسبها لقب "الفأرة البيضاء" من قبل الجستابو، لقدرتها على الانزلاق بعيدًا عن أيديهم في كل مرة.

الفرار الكارثي والخسارة الفادحة

بحلول عام 1943، كانت الأجهزة الأمنية الألمانية قد أصبحت على علم بنشاطات نانسي ويك، فتكثفت مطاردتها لها. شعرت بالخطر يحدق بها، ففرت إلى إسبانيا ومنها إلى المملكة المتحدة، تاركةً وراءها حياتها القديمة وراء المحتل. ولكن هذا الفرار لم يخلُ من مأساة مدمرة؛ فقد وقع زوجها الحبيب، هنري فيوكا، في قبضة الجستابو وتم إعدامه بسبب رفضه الكشف عن مكانها. كانت هذه الخسارة الشخصية الفادحة بمثابة حافز إضافي لنانسي لتكثف جهودها الانتقامية ضد العدو، وتُقسم على دفع الثمن.

الانضمام إلى إدارة العمليات الخاصة (SOE)

بعد وصولها إلى بريطانيا، لم تتردد نانسي ويك لحظة في مواصلة نضالها. انضمت إلى إدارة العمليات الخاصة (SOE)، وهي منظمة سرية بريطانية أسسها ونستون تشرشل بهدف "إشعال أوروبا" من خلال التجسس والتخريب ودعم حركات المقاومة. خضعت ويك لتدريبات مكثفة على فنون التجسس والقتال والتخريب، وأصبحت ضابطة ميدانية تحت الاسم الرمزي "هيلين"، مستعدةً للعودة إلى فرنسا المحتلة ومواجهة الخطر وجهًا لوجه مرة أخرى.

عملية "فريلانس" والعودة إلى فرنسا

في ليلة 29-30 أبريل 1944، قفزت نانسي ويك بالمظلة إلى منطقة ألييه بفرنسا المحتلة كجزء من فريق من ثلاثة أفراد تابع لإدارة العمليات الخاصة، عُرف باسم "فريلانس" (Freelance). كانت مهمتها محورية: تنسيق جهود إدارة العمليات الخاصة مع العديد من مجموعات الماكي (Maquis) – وهي جماعات المقاومة الفرنسية الريفية التي كانت تعمل في منطقة أوفيرني، تحت الإشراف العام لإميل كولاودون (الاسم الرمزي "غاسبارد"). لعبت ويك دورًا حيويًا في تنظيم المقاومة، وتهريب الأسلحة والإمدادات، والإشراف على عمليات التخريب التي استهدفت خطوط الإمداد الألمانية استعدادًا ليوم النصر. كانت قيادتها وشجاعتها مصدر إلهام للمقاتلين الفرنسيين.

معركة أوفيرني والرحلة الأسطورية

في يونيو 1944، شاركت نانسي ويك بضراوة في معركة كبرى بين قوات الماكي التي كانت تقودها وقوة ألمانية كبيرة. وعلى الرغم من المقاومة الشرسة، مُنيت قوات الماكي بهزيمة ثقيلة. وفي أعقاب هذه الهزيمة، وفي عمل ينم عن تصميم خارق، قامت ويك بقطع مسافة مذهلة بلغت 500 كيلومتر سيرًا على الأقدام، على دراجة، وفي أحيان أخرى متخفية، لتقديم تقرير مفصل عن الوضع إلى مقر إدارة العمليات الخاصة في لندن. كانت هذه الرحلة الشاقة محفوفة بالمخاطر، وقد أظهرت قدرتها على التحمل والتزامها الذي لا يتزعزع بقضيتها.

تكريمات وأوسمة الشجاعة

لقاء خدماتها الجليلة وشجاعتها الاستثنائية، نالت نانسي ويك العديد من الأوسمة والتكريمات الرفيعة من مختلف دول الحلفاء، لتُصبح واحدة من أكثر النساء الحاصلات على الأوسمة في الحرب العالمية الثانية. كان من أبرز هذه التكريمات ما يلي:

• وسام جورج من المملكة المتحدة (17 يوليو 1945)، وهو ثاني أعلى وسام للبسالة في الإمبراطورية البريطانية.
• ميدالية الحرية من الولايات المتحدة (1947)، اعترافًا بمساهماتها في تحرير أوروبا.
• وسام جوقة الشرف من فرنسا (فارس - 1970، وضابط - 1988)، وهو أعلى وسام شرف فرنسي.
• رفيق وسام أستراليا من أستراليا (22 فبراير 2004)، وهو أعلى تكريم مدني في أستراليا.
• الشارة الذهبية من نيوزيلندا (2006)، تقديرًا لمسقط رأسها.

"الفأرة البيضاء": سيرة ذاتية تحكي قصة بطلة

في عام 1985، نشرت نانسي ويك مذكراتها تحت عنوان "الفأرة البيضاء" (The White Mouse)، وهو اللقب الذي أطلقه عليها الألمان بسبب قدرتها المذهلة على التهرب منهم. يقدم الكتاب نظرة عميقة ومباشرة على تجربتها في الحرب، ويُعد شهادة قوية على شجاعتها وتصميمها وقدرتها على التغلب على الصعاب في سبيل الحرية. تُوفيّت نانسي ويك في عام 2011، عن عمر يناهز 98 عامًا، تاركةً خلفها إرثًا خالدًا كامرأة جسدت روح البطولة والمقاومة.

الأسئلة المتكررة حول نانسي ويك

من هي نانسي ويك؟

نانسي ويك كانت بطلة حرب عالمية ثانية، عملت كممرضة وصحفية ثم ضابطة استخبارات في المقاومة الفرنسية وإدارة العمليات الخاصة (SOE)، وتُعرف باسم "الفأرة البيضاء" لقدرتها على التهرب من الألمان.

ما هو دور نانسي ويك في المقاومة الفرنسية؟

انضمت نانسي ويك إلى شبكة الهروب بات أوليري حيث عملت ساعيًا، وساعدت طياري الحلفاء على الهروب إلى إسبانيا. لاحقًا، عادت إلى فرنسا المحتلة كضابطة في إدارة العمليات الخاصة لتنسيق جهود المقاومة مع مجموعات الماكي.

ماذا حدث لزوج نانسي ويك؟

بعد هروب نانسي ويك إلى إسبانيا عام 1943، تم اعتقال زوجها هنري فيوكا من قبل الجستابو وإعدامه لرفضه الكشف عن مكانها.

لماذا لُقبت نانسي ويك بـ "الفأرة البيضاء"؟

أطلق عليها الجستابو (الشرطة السرية الألمانية) لقب "الفأرة البيضاء" بسبب مهارتها الفائقة في التهرب من الاعتقال والانزلاق بعيدًا عن قبضتهم أثناء عملها في المقاومة.

ما هي أبرز الأوسمة التي حصلت عليها نانسي ويك؟

حصلت نانسي ويك على وسام جورج من المملكة المتحدة، وميدالية الحرية من الولايات المتحدة، ووسام جوقة الشرف من فرنسا (مرتين)، ورفيق وسام أستراليا من أستراليا، والشارة الذهبية من نيوزيلندا.

متى توفيت نانسي ويك؟

توفيت نانسي ويك في 7 أغسطس 2011، عن عمر يناهز 98 عامًا.