كلاوس فون شتاوفنبرغ: الضابط الأرستقراطي الذي تحدى هتلر
يُعدّ اسم كلاوس فيليب ماريا جوستينيان شينك غراف فون شتاوفنبرغ (بالألمانية: Claus Philipp Maria Justinian Schenk Graf von Stauffenberg) رنينًا خاصًا في سجلات التاريخ، لاسيما عند الحديث عن المقاومة الألمانية ضد النظام النازي. وُلد شتاوفنبرغ في الخامس عشر من نوفمبر عام 1907، لعائلة أرستقراطية عريقة في بافاريا، ما منحه ألقابًا وراثية مثل "غراف" (كونت) و"شينك" (ساقي)، والتي تعكس مكانة عائلته الرفيعة في المجتمع الألماني. كان ضابطًا لامعًا في الجيش الألماني، اشتهر بمحاولته الجريئة والفاشلة لاغتيال أدولف هتلر في العشرين من يوليو عام 1944 داخل "عرين الذئب" الشهير، مقره العسكري في شرق بروسيا. هذه المحاولة، التي أصبحت تُعرف بـ"مؤامرة 20 يوليو"، مثّلت ذروة جهود المقاومة الداخلية التي سعت لإنقاذ ألمانيا من براثن الديكتاتورية.
من القبول المبدئي إلى المقاومة الصارمة
على الرغم من أن شتاوفنبرغ كان في بادئ الأمر متحفظًا على الديمقراطية، وشأنه شأن العديد من النبلاء والمحافظين في تلك الفترة، فقد أبدى موافقة مبدئية على القومية التي روج لها الحزب النازي ومفهومه عن "الآرية" في السنوات الأولى لصعود هتلر. كان يؤمن بضرورة استعادة الكبرياء الوطني الألماني بعد هزيمة الحرب العالمية الأولى. شارك بنشاط في الحملات العسكرية الأولى لألمانيا النازية، بما في ذلك غزو بولندا، واجتياح الاتحاد السوفيتي، والحملة التونسية خلال الحرب العالمية الثانية. لكن مع تقدم الحرب، وتكشف الطبيعة الإجرامية للنظام النازي وحجم الفظائع المرتكبة، خاصة على الجبهة الشرقية ضد المدنيين واليهود، بدأت قناعات شتاوفنبرغ تتغير جذريًا. لقد شعر أن هتلر يقود ألمانيا نحو دمار محتوم وأن الطابع الإجرامي للديكتاتورية أصبح لا يُطاق، ما دفعه للانضمام إلى صفوف المقاومة الألمانية السرية داخل الفيرماخت (القوات المسلحة الألمانية).
عقل مدبر في قلب المؤامرة
لم يكن شتاوفنبرغ الوحيد في هذا التحول، بل كان جزءًا من شبكة أوسع من الضباط ورجال الدولة الذين شعروا بالخطر المحدق ببلادهم. إلى جانب شخصيات بارزة مثل هيننغ فون تريسكوف وهانز أوستر، أصبح شتاوفنبرغ أحد الشخصيات المركزية والمحركات الرئيسية للمؤامرة ضد هتلر داخل الفيرماخت. كانت رؤيتهم تتجاوز مجرد الإطاحة بهتلر؛ فقد كانوا يأملون في استعادة سيادة القانون وإقامة حكومة مؤقتة تتمكن من التفاوض على سلام منفصل مع الحلفاء الغربيين لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من ألمانيا، حتى لو كان ذلك يعني التخلي عن بعض الأراضي التي ضمتها ألمانيا.
مؤامرة 20 يوليو وعملية فالكيري
في العشرين من يوليو عام 1944، وصل التخطيط المضني لسنوات إلى ذروته. حاول كلاوس فون شتاوفنبرغ وعدد من المتآمرين الآخرين اغتيال أدولف هتلر، "الفوهرر" الألماني، داخل مقره الميداني شديد التحصين المعروف باسم "عرين الذئب" (Wolf's Lair)، والذي كان يقع بالقرب من راستنبورغ في شرق بروسيا آنذاك، وهي الآن مدينة كينتشين (Kętrzyn) في بولندا الحالية. كانت الخطة تتجاوز مجرد الاغتيال؛ فقد كانت تهدف إلى تنفيذ انقلاب عسكري شامل يطيح بالحزب النازي من السلطة ويستولي على السيطرة السياسية والعسكرية على ألمانيا وقواتها المسلحة، بما في ذلك قوات الأمن الخاصة (SS).
تفاصيل المحاولة الفاشلة
قام شتاوفنبرغ، الذي كان قد فقد عينه اليمنى ويده اليمنى واثنين من أصابع يده اليسرى في حملة تونس، بوضع حقيبة تحتوي على متفجرات موقوتة بالقرب من هتلر خلال اجتماع للموظفين في "عرين الذئب". كانت إعاقاته تمنحه مبررًا لاستخدام يده اليسرى الضعيفة وحمله لحقيبة يدوية. غادر شتاوفنبرغ المكان بعد تفعيل القنبلة، لكن لسوء الحظ، تم تحريك الحقيبة بعيدًا قليلًا عن هتلر قبل الانفجار، وساعدت الطاولة السميكة المصنوعة من خشب البلوط على امتصاص جزء كبير من قوة الانفجار. نجا هتلر بإصابات طفيفة نسبيًا، بينما لقي أربعة أشخاص آخرين حتفهم. كان اسم العملية التي خطط لها المتآمرون بعد الاغتيال للسيطرة على البلاد هو "فالكيري" (Valkyrie)، والتي كانت في الأصل خطة طوارئ للجيش الألماني للتعامل مع الاضطرابات المدنية الداخلية، ولكن المتآمرين قاموا بتعديلها لتستخدم في انقلابهم. على الرغم من أن "فالكيري" كانت تشير في الأصل إلى جزء من المؤامرة، إلا أنها أصبحت فيما بعد مرتبطة بالحدث برمته.
الانهيار والمصير المأساوي
كان الهدف الواضح لمحاولة الاغتيال هو انتزاع السيطرة السياسية على ألمانيا وقواتها المسلحة من الحزب النازي وإقامة سلام مع الحلفاء الغربيين في أسرع وقت ممكن. لم تُعرف تفاصيل مبادرات السلام التي كان المتآمرون يعتزمون تقديمها بشكل كامل، لكن التوقعات تشير إلى أنها كانت ستتضمن مطالب غير واقعية لتأكيد ضم ألمانيا الواسع النطاق للأراضي الأوروبية. لقد كانت هذه المؤامرة تتويجًا لجهود عدة مجموعات داخل المقاومة الألمانية للإطاحة بالحكومة النازية. لكن فشل محاولة الاغتيال والانقلاب العسكري المخطط له أدى إلى عواقب وخيمة ومروعة. سرعان ما قامت الشرطة السرية (الغيستابو) بحملة اعتقالات واسعة النطاق، تجاوز عدد المعتقلين فيها 7000 شخص. تم إعدام 4980 منهم بوحشية، بمن فيهم شتاوفنبرغ نفسه. فبعد وقت قصير من محاولة الانقلاب، تم إعدامه رميًا بالرصاص في ساحة القيادة بالمعسكر العسكري في برلين، في الحادي والعشرين من يوليو 1944. كان مصير العديد من رفاقه في المقاومة مشابهًا، حيث واجهوا محاكمات صورية وإعدامات بشعة.

English
español
français
português
русский
العربية
简体中文 