تقع مدينة جرينسبيرج، وهي مدينة صغيرة ذات تاريخ غني ومرونة ملحوظة، في قلب الولايات المتحدة، وتحديدًا في مقاطعة كيوا بولاية كانساس، حيث تشغل موقعًا مهمًا كـ مقر للمقاطعة. هذه المدينة الهادئة، التي بلغ عدد سكانها 740 نسمة فقط حسب تعداد عام 2020، كانت ذات يوم مركزًا لمأساة مدمرة، ولكنها نهضت من رمادها لتصبح نموذجًا عالميًا للاستدامة.
تُعرف جرينسبيرج بكونها موطنًا لأحد المعالم الفريدة والمثيرة للاهتمام: أكبر بئر محفور يدويًا في العالم. هذا البئر الضخم، الذي يُعرف باسم "ذا بيج ويل" (The Big Well)، بُني في أواخر القرن التاسع عشر على يد رواد المدينة لتوفير مصدر مياه موثوق للمجتمع والسكة الحديدية العابرة للقارات، ويعد شهادة على إصرار وتصميم الأجيال السابقة.
مأساة إعصار 2007 والنهوض من الرماد
في مساء يوم 4 مايو 2007، تحولت حياة سكان جرينسبيرج رأسًا على عقب عندما ضرب إعصار مدمر من فئة EF5 المدينة. كانت قوة هذا الإعصار استثنائية، حيث أتى على ما لا يقل عن 95 بالمائة من هياكل المدينة، مخلفًا دمارًا هائلاً وغير مسبوق. في غضون لحظات قليلة، تحولت المنازل والمباني إلى ركام، وراح ضحية هذا الحدث المأساوي 11 شخصًا تتراوح أعمارهم بين 46 و84 عامًا، تاركًا وراءه مجتمعًا في حالة صدمة.
بعد الدمار الشامل، واجهت جرينسبيرج خيارًا صعبًا: إعادة البناء بنفس الطريقة القديمة، أو اغتنام الفرصة لتخيل مستقبل مختلف تمامًا. اختار السكان مسارًا طموحًا نحو التجديد المستدام، متبنين رؤية جريئة لتحويل مدينتهم إلى ما أُطلق عليها لاحقًا لقب "المدينة الأكثر خضرة في أمريكا". لم يكن هذا مجرد شعار، بل التزام حقيقي بمعايير البناء الصديقة للبيئة، والطاقة المتجددة، والتخطيط الحضري المستدام. على سبيل المثال، تم تشييد المستشفى الجديد ومبنى البلدية والمدرسة وفقًا لأعلى مستويات الشهادات الصادرة عن نظام الريادة في تصميم الطاقة والبيئة (LEED)، وهو معيار معترف به دوليًا للمباني الخضراء، مما يعكس تفاني المدينة في حماية البيئة وتعزيز جودة حياة سكانها.
فهم مقياس فوجيتا المحسّن (EF Scale)
إن تصنيف الإعصار الذي ضرب جرينسبيرج بـ EF5 يثير تساؤلاً حول كيفية قياس شدة الأعاصير. وهنا يأتي دور مقياس فوجيتا المحسّن (Enhanced Fujita Scale)، أو كما يُعرف اختصارًا بـ EF Scale. يُستخدم هذا المقياس المتطور لتقييم شدة الأعاصير بناءً على حجم الضرر الذي تسببه للمباني والمنشآت والنباتات. إنه أداة حيوية لخبراء الأرصاد الجوية والمهندسين لفهم القوة التدميرية لهذه الظواهر الطبيعية.
من مقياس فوجيتا إلى مقياس فوجيتا المحسّن: تطور علمي
حل مقياس فوجيتا المحسّن محل مقياس فوجيتا الأصلي (F Scale)، الذي قدمه عالم الأرصاد الجوية الشهير تيد فوجيتا في عام 1971. كان المقياس الأصلي خطوة رائدة، ولكنه كان يعاني من بعض أوجه القصور، لاسيما في موضوعية تقييم الأضرار والربط الدقيق بين الأضرار وسرعات الرياح. لذلك، تطلب الأمر مراجعة شاملة لتعكس التطورات في فهم علم الأعاصير وهندسة البناء. بدأت عملية التطوير للمقياس الجديد في الفترة من عام 2000 إلى 2004 ضمن مشروع تعزيز مقياس فوجيتا التابع لمركز أبحاث علوم وهندسة الرياح في جامعة تكساس التقنية. جمع هذا المشروع نخبة من خبراء الأرصاد الجوية والمهندسين المدنيين، مستفيدين من خبراتهم ومواردهم لتطوير مقياس أكثر دقة وشمولية.
كيف يعمل مقياس فوجيتا المحسّن؟
يحتفظ مقياس فوجيتا المحسّن بالتصميم الأساسي للمقياس الأصلي، حيث يتألف من ست فئات للشدة، تتراوح من صفر إلى خمسة (EF0 إلى EF5)، وتمثل كل فئة درجات متزايدة من الأضرار. ومع ذلك، تم تنقيحه ليقدم فحوصات أفضل لمسوح أضرار الإعصار، بهدف مواءمة تقديرات سرعات الرياح بشكل أوثق مع الأضرار الفعلية التي تسببها العواصف. من أهم التحسينات التي قدمها المقياس الجديد:
- توحيد وتوضيح المعايير: عالج المقياس الجديد جوانب كانت سابقًا ذاتية وغامضة، موحدًا بذلك عملية التقييم.
- توسيع أنواع الهياكل والنباتات: أضاف المقياس المزيد من "مؤشرات الضرر" التي تشمل أنواعًا أوسع من الهياكل، مثل المباني السكنية المختلفة، والمؤسسات التجارية، وأنواع الغطاء النباتي، وكيف تتأثر كل منها بالرياح.
- تحسين حساب المتغيرات: يأخذ المقياس في الاعتبار متغيرات مثل الاختلافات في جودة البناء، مما يوفر تقييمًا أكثر دقة لشدة الإعصار بغض النظر عن هشاشة المبنى المتضرر.
- فئة "EF-Unknown" (EFU): تمت إضافة هذه الفئة لاحقًا لتصنيف الأعاصير التي لا يمكن تقدير شدتها بدقة بسبب نقص الأدلة الكافية على الأضرار، مما يعكس الواقع العملي لتقييم الأعاصير.
يجدر بالذكر أن مقياس فوجيتا المحسّن، شأنه شأن سلفه، هو في الأساس مقياس للأضرار، ويعمل كوكيل لتقدير سرعات الرياح الفعلية. بينما لم تخضع سرعات الرياح المرتبطة بالأضرار المحددة لتحليل تجريبي مكلف وشامل (مثل النمذجة الفيزيائية أو الرقمية التفصيلية)، فقد تم الحصول على هذه السرعات من خلال عملية استنباط الخبراء. تعتمد هذه العملية على دراسات هندسية مختلفة تعود إلى سبعينيات القرن الماضي، بالإضافة إلى الخبرة الميدانية المتراكمة لدى أخصائيي الأرصاد الجوية والمهندسين. بالإضافة إلى الأضرار التي تلحق بالهياكل والنباتات، يمكن استخدام بيانات الرادار، والمسح التصويري، والعلامات الحلقية (أنماط دوامة الأرض التي تتركها الأعاصير) عند توفرها لدعم عملية التقييم.
التطبيق والانتشار العالمي
كُشف عن المقياس الأحدث علنًا من قبل National Weather Service (هيئة الأرصاد الجوية الوطنية) في مؤتمر للجمعية الأمريكية للأرصاد الجوية في أتلانتا في فبراير 2006. بدأ الاستخدام العملي له في الولايات المتحدة في الأول من فبراير 2007، وبعد عام واحد من إعلانه العام، تم استخدامه لأول مرة في الولايات المتحدة عندما ضربت أعاصير متعددة أجزاء من وسط فلوريدا، حيث صُنف أقواها بـ EF3 على المقياس الجديد. تبعتها كندا في الأول من أبريل 2013، وسرعان ما تم استخدامه هناك عندما تطور إعصار بالقرب من مدينة شيلبورن، أونتاريو، في 18 أبريل 2013، مسببًا أضرارًا من فئة EF1. كما تم اقتراحه للاستخدام في فرنسا، مما يعكس الاعتراف الدولي بفعاليته ودقته.
الأسئلة الشائعة (FAQs)
- ما هي مدينة جرينسبيرج وأين تقع؟
- جرينسبيرج هي مدينة تقع في مقاطعة كيوا بولاية كانساس في الولايات المتحدة الأمريكية، وتُعتبر مقر المقاطعة.
- ما الذي يميز جرينسبيرج قبل إعصار 2007؟
- كانت جرينسبيرج معروفة بكونها موطنًا لأكبر بئر محفور يدويًا في العالم، والذي يُعرف باسم "ذا بيج ويل".
- ماذا حدث لجرينسبيرج في 4 مايو 2007؟
- تعرضت جرينسبيرج لإعصار مدمر من فئة EF5 قضى على ما لا يقل عن 95% من المدينة وأودى بحياة 11 شخصًا.
- كيف أعادت جرينسبيرج بناء نفسها بعد الإعصار؟
- قررت جرينسبيرج إعادة البناء على أسس مستدامة، لتصبح تُعرف بـ "المدينة الأكثر خضرة في أمريكا". حيث تم بناء منشآتها الرئيسية مثل المستشفى والبلدية والمدرسة وفقًا لأعلى معايير شهادات الريادة في تصميم الطاقة والبيئة (LEED).
- ما هو مقياس فوجيتا المحسّن (EF Scale)؟
- هو مقياس يُستخدم لقياس شدة الأعاصير بناءً على حجم الضرر الذي تسببه، ويعتبر تحديثًا لمقياس فوجيتا الأصلي.
- ما الفرق بين مقياس فوجيتا الأصلي ومقياس فوجيتا المحسّن؟
- تم تطوير مقياس فوجيتا المحسّن ليعالج أوجه القصور في المقياس الأصلي، حيث يقدم تقييمات أكثر دقة للأضرار وربطًا أوثق بين الأضرار وسرعات الرياح، مع إضافة المزيد من مؤشرات الضرر وتوضيح المعايير.
- متى وأين بدأ استخدام مقياس فوجيتا المحسّن؟
- بدأ الاستخدام العملي له في الولايات المتحدة في 1 فبراير 2007، وفي كندا في 1 أبريل 2013، وتم اقتراحه أيضًا للاستخدام في فرنسا.
- كيف يتم تحديد سرعات الرياح في مقياس فوجيتا المحسّن؟
- يعتمد المقياس على تقييم الأضرار، ويتم تقدير سرعات الرياح من خلال عملية استنباط الخبراء بالاستناد إلى دراسات هندسية وخبرات ميدانية، بالإضافة إلى بيانات الرادار والمسح التصويري وعلامات دوامة الأرض.

English
español
français
português
русский
العربية
简体中文 