يُعدّ هربرت ساتكليف (24 نوفمبر 1894 - 22 يناير 1978) اسمًا يتردد صداه بقوة في تاريخ الكريكيت الإنجليزي، فقد كان لاعبًا محترفًا من الطراز الرفيع، مُمثلاً لنادي يوركشاير ومنتخب إنجلترا بصفته ضاربًا افتتاحيًا يُعتمد عليه. تجسّدت مسيرته في الكريكيت من الدرجة الأولى بالكامل تقريبًا بين الحربين العالميتين العظميين، باستثناء مباراة واحدة خاضها في عام 1945، وهي حقيقة تلقي الضوء على كيف شكلت الأحداث العالمية الكبرى مسار حياته المهنية.
كان الظهور الأول لساتكليف في الكريكيت من الدرجة الأولى قد تأخر بسبب ويلات الحرب العالمية الأولى حتى عام 1919، ومع قرب اندلاع شرارة الحرب العالمية الثانية في أغسطس 1939، تم إنهاء مسيرته الاحترافية فعليًا، حيث استُدعي للخدمة العسكرية، ليُنهي بذلك فصلًا لامعًا في تاريخ اللعبة.
لاعب ذو بصمة تاريخية وتركيز استثنائي
يمتلك هربرت ساتكليف سجلًا فريدًا يجعله محفورًا في ذاكرة الكريكيت، فهو أول لاعب كريكيت ينجح في تسجيل 16 قرنًا (مائة نقطة) في مباريات الكريكيت التجريبية (Test Cricket)، وهو إنجاز يعكس قدرته العالية على التهديف والثبات.
اشتهر ساتكليف، بكونه ضاربًا أيمن، بتركيزه الذي لا يتزعزع وعزيمته الفولاذية، وهي صفات جعلت منه كنزًا لا يقدر بثمن لفرقه، لا سيما عندما كانت الظروف معاكسة وصعبة للغاية. لُقّب بكونه أحد أفضل "ضاربي الويكيت السيئ" في اللعبة، وهي تسمية تُطلق على اللاعبين القادرين على الأداء ببراعة على ملاعب ذات جودة منخفضة أو تحديات خاصة تُصعّب مهمة الضاربين الآخرين، مما يبرز قدرته على التكيف والصمود تحت الضغط.
شراكات أسطورية وتألق جماعي
تكمن شهرة هربرت ساتكليف بشكل رئيسي في الشراكة الافتتاحية العظيمة التي كوّنها مع الأسطورة جاك هوبز لمنتخب إنجلترا بين عامي 1924 و1930. اعتُبرت هذه الشراكة واحدة من أنجح وأقوى الشراكات الافتتاحية في تاريخ الكريكيت، حيث أرسيا أسسًا متينة للعديد من انتصارات إنجلترا. لم يقتصر تألقه في الشراكات على المستوى الدولي، بل امتد أيضًا إلى نادي يوركشاير، حيث شكل شراكات افتتاحية بارزة مع بيرسي هولمز، وفي مواسمه الأخيرة، مع الشاب الصاعد لين هاتون، الذي أصبح بدوره أحد عمالقة اللعبة. خلال مسيرة ساتكليف المهنية الحافلة، فاز نادي يوركشاير ببطولة المقاطعة المرموقة 12 مرة، مما يؤكد مساهمته الجوهرية في نجاح فريقه المحلي.
مسيرة دولية حافلة ومحطة "بودي لاين" المثيرة للجدل
لعب ساتكليف في 54 مباراة تجريبية لإنجلترا، وخلال هذه المسيرة، قام بثلاث جولات استثنائية إلى أستراليا، حيث حقق نجاحًا باهرًا وقدم أداءً مبهرًا على الأراضي الأسترالية التي تُعرف بصعوبة اللعب عليها. كانت جولته الأخيرة في موسم 1932-1933 تتضمن سلسلة "بودي لاين" المثيرة للجدل، وهي واحدة من أكثر الفصول إثارة للجدل في تاريخ الكريكيت. في هذه السلسلة، التي استخدم فيها الإنجليز تكتيكًا هجوميًا مثيرًا للجدل (رمي الكرة باتجاه جسد الضارب)، نُظر إلى ساتكليف على أنه أحد المؤيدين الرئيسيين لقائد الفريق دوغلاس جاردين.
وعلى الرغم من أن الأصدقاء المقربين ذكروا أن ساتكليف لم يوافق شخصيًا على تكتيك "بودي لاين"، إلا أنه كان يتصرف دائمًا بدافع الولاء الشديد لقائد فريقه وكان ملتزمًا تمامًا بقضية فريقه، وهو ما يعكس روح الانضباط والوفاء التي تميز بها.
مكانة إحصائية ضمن النخبة
من الناحية الإحصائية البحتة، يُعد ساتكليف واحدًا من أنجح الضاربين في مباريات الكريكيت التجريبية على الإطلاق. فقد بلغ متوسط ضرباته المهنية المكتملة 60.73، وهو أعلى معدل حققه أي ضارب إنجليزي، ويحتل المرتبة الخامسة عالميًا (من بين الضاربين الذين أكملوا 20 جولة على الأقل) خلف أساطير مثل دون برادمان وآدم فوجيس وغرايم بولوك وجورج هيدلي. هذه الأرقام تتحدث عن نفسها، وتؤكد مكانته الرفيعة في قمة اللعبة، حيث يتجاوز متوسطه العديد من الأسماء اللامعة في تاريخ الكريكيت.
رحلة ما بعد اللعب وتكريم مستحق
لم يقتصر نجاح ساتكليف على الملعب فحسب، بل كان أيضًا رجل أعمال ناجحًا. فقد أسس متجرًا للملابس الرياضية في ليدز في بداية مسيرته من الدرجة الأولى، مستخدمًا الأموال التي كسبها كلاعب، مما يدل على بعد نظره ومهاراته الإدارية.
عندما انتهت مسيرته كلاعب، ظل مخلصًا للكريكيت، حيث خدم في لجنة النادي في يوركشاير لمدة 21 عامًا، وكان لمدة ثلاث سنوات مختارًا لاختبار إنجلترا، مما مكنه من الاستمرار في التأثير على مستقبل اللعبة. ومن بين التكريمات الجليلة التي مُنحت له، احتفالًا بمسيرته الرائعة، تم تسمية مجموعة خاصة من البوابات باسمه في هيدنجلي، وهو الملعب العريق لنادي مقاطعة يوركشاير للكريكيت. كما تم إدخاله إلى قاعة مشاهير الكريكيت التابعة للمجلس الدولي للكريكيت (ICC Cricket Hall of Fame)، وهو أعلى تكريم يمكن أن يحظى به لاعب كريكيت، ليُخلّد بذلك اسمه ضمن أساطير اللعبة.
الأسئلة الشائعة (FAQs)
- ما هو الإنجاز الأبرز لهربرت ساتكليف؟
- كان أول لاعب كريكيت يسجل 16 قرنًا في مباريات الكريكيت التجريبية، بالإضافة إلى متوسط ضرباته الاستثنائي الذي بلغ 60.73 وهو الأعلى لأي ضارب إنجليزي.
- مع من اشتهر ساتكليف بتشكيل شراكات ضرب ناجحة؟
- اشتهر بشكل خاص بشراكته الافتتاحية الأسطورية مع جاك هوبز لإنجلترا، وأيضًا مع بيرسي هولمز ولين هاتون في يوركشاير.
- كيف أثرت الحروب العالمية على مسيرة هربرت ساتكليف؟
- أدت الحرب العالمية الأولى إلى تأخير ظهوره الأول في الكريكيت من الدرجة الأولى حتى عام 1919، بينما أنهت الحرب العالمية الثانية مسيرته الاحترافية فعليًا في أغسطس 1939 عندما استُدعي للخدمة العسكرية.
- ما هو موقف ساتكليف من سلسلة "بودي لاين" المثيرة للجدل؟
- على الرغم من أن أصدقاءه المقربين ذكروا أنه لم يوافق شخصيًا على تكتيك "بودي لاين"، إلا أنه تصرف بولاء شديد لقائد فريقه دوغلاس جاردين والتزم بقضية فريقه.
- ماذا فعل هربرت ساتكليف بعد اعتزاله اللعب؟
- استمر في المساهمة في عالم الكريكيت من خلال خدمته في لجنة نادي يوركشاير لمدة 21 عامًا، وعمله كمختار لاختبار إنجلترا لمدة ثلاث سنوات. كما كان رجل أعمال ناجحًا في متجر للملابس الرياضية.

English
español
français
português
русский
العربية
简体中文 