ألفريد العظيم ، ملك إنجليزي (مواليد 849)

في قلب إنجلترا المضطربة في القرن التاسع الميلادي، حيث كانت ممالك الأنجلو ساكسون تعاني من وطأة الغزوات الإسكندنافية المستمرة، بزغ نجم شخصية استثنائية ستُعرف لاحقًا باسم ألفريد العظيم. وُلد ألفريد حوالي 848/849 ميلادية، وكان الابن الأصغر للملك أثلفولف وزوجته الأولى أوسبوره. ورث العرش في عام 871، بعد فترة حكم متتالية لثلاثة من إخوته الأكبر منه — أثلبولد، وأثلبيرت، وأثلريد — في زمن كانت فيه الغارات الفايكنغية تُمثل تهديدًا وجوديًا لكل ما هو أنجلو ساكسوني. لم يكن ألفريد مجرد ملك محارب، بل كان بانيًا لدولة، ومصلحًا اجتماعيًا وثقافيًا، وهو ما جعله شخصية محورية في تاريخ إنجلترا.

تحديات العرش وبراعة القيادة العسكرية

عندما اعتلى ألفريد العرش، كانت مملكة وست ساكسونيا، وكذلك بقية ممالك الأنجلو ساكسون، على شفا الانهيار أمام زحف الفايكنج، المعروفين أيضًا بالدنماركيين أو "الجيش الوثني العظيم". لم يضيّع ألفريد وقتًا، بل قضى السنوات الأولى من حكمه في صراع لا هوادة فيه للدفاع عن مملكته. كانت تلك فترة مظلمة ومريرة، شهدت فيها إنجلترا سلسلة من الهزائم والانكسارات، حتى اضطر ألفريد نفسه إلى الاختباء في مستنقعات سومرست. لكنه لم يستسلم.

في عام 878، تحققت نقطة تحول حاسمة في معركة إيدنجتون، حيث حقق ألفريد انتصارًا مدويًا على قوات الفايكنج بقيادة زعيمهم غوثروم. لم يكن هذا الانتصار مجرد نصر عسكري، بل كان انتصارًا نفسيًا أعاد الأمل إلى شعب الأنجلو ساكسون. بعد هذه المعركة، أبرم ألفريد معاهدة تاريخية مع الفايكنج، غالبًا ما تُعرف باسم معاهدة ويدمور (Treaty of Wedmore)، والتي قسّمت إنجلترا إلى قسمين رئيسيين: الأراضي الأنجلو ساكسونية في الجنوب والغرب، و "دانيلو" (Danelaw) التي كانت تحت حكم الفايكنج، وتشمل شمال إنجلترا وشمال شرق ميدلاندز وشرق أنجليا. هذه المعاهدة لم تضع حدًا للصراع فحسب، بل أرست أسسًا للتعايش وحددت مناطق النفوذ، حتى مع استمرار التوترات.

لم تقتصر إنجازات ألفريد العسكرية على الانتصار في المعارك، بل شملت أيضًا إصلاحات استراتيجية عميقة. لقد أدرك الحاجة إلى دفاع دائم وفعال، فأعاد تنظيم الجيش، مقسمًا القوات إلى فوجين يمكنهما بالتناوب على الخدمة العسكرية (نظام الفيرد)، وهذا مكنه من الحفاظ على قوة عسكرية دائمة. الأهم من ذلك، أشرف ألفريد على بناء شبكة من التحصينات والمدن المحصنة المعروفة باسم "البيرغز" (Burhs)، والتي كانت بمثابة نقاط دفاعية ومراكز إدارية وتجارية، مما أحدث تغييرًا دائمًا في البنية الدفاعية والعمرانية لإنجلترا.

وكان ألفريد أيضًا مسؤولاً عن إنجاز دبلوماسي وديني كبير، وهو إشرافه على تحول زعيم الفايكنج غوثروم إلى المسيحية، حيث تعمّد باسم "أثلفولف". هذا التحول لم يكن مجرد حدث ديني، بل كان له أبعاد سياسية عميقة، حيث ساهم في ترسيخ السلام وجعل العلاقة بين الأنجلو ساكسون والفايكنج أكثر استقرارًا على المدى الطويل.

مصلح التعليم والقانون والمجتمع

لم يشتهر ألفريد ببراعته العسكرية فحسب، بل بكونه رجلًا مثقفًا ورحيمًا، ذا طبيعة كريمة ومتوازنة. كان يمتلك رؤية بعيدة المدى لمستقبل شعبه ومملكته. في ظل حكمه، تم إدخال إصلاحات إدارية وعسكرية كبيرة، لكن تأثيره الأعمق ربما كان في مجال التعليم والثقافة. في وقت كانت فيه معظم المدارس والأديرة قد دمرت بسبب غارات الفايكنج، وكان مستوى المعرفة باللاتينية (لغة التعليم في ذلك الوقت) قد تدهور بشكل كبير، أدرك ألفريد أهمية التعليم لنهضة مملكته.

لقد شجع التعليم بنشاط، بل واقترح إجراء التعليم الابتدائي باللغة الإنجليزية القديمة بدلاً من اللاتينية، وهو ما كان ثوريًا في عصره. بهدف إحياء المعرفة، قام بتكليف بترجمة العديد من الأعمال اللاتينية المهمة إلى الإنجليزية القديمة، مثل "تعزية الفلسفة" لبويثيوس و"التاريخ الكنسي للشعب الإنجليزي" لبيدا، وشارك هو نفسه في بعض هذه الترجمات. كما يُعتقد أن له دورًا محوريًا في تجميع "وقائع الأنجلو ساكسون" (Anglo-Saxon Chronicle)، وهي سجل تاريخي قيّم يوثق تاريخ إنجلترا المبكر.

وعلى الصعيد القانوني، عمل ألفريد على تحسين وتوحيد النظام القانوني، حيث أصدر مجموعة من القوانين المعروفة باسم "قوانين ألفريد" (Alfred's Dooms)، والتي كانت تهدف إلى توفير العدالة وترسيخ النظام. هذه القوانين كانت مستوحاة من التقاليد القانونية السابقة وقوانين الكتاب المقدس، مما عكس طابعه الورع والمنظم. كل هذه الإصلاحات، سواء كانت عسكرية أو إدارية أو تعليمية أو قانونية، ساهمت بشكل كبير في تحسين نوعية حياة شعبه ووضعت الأسس لمستقبل أكثر استقرارًا وازدهارًا للمملكة.

ألفريد "العظيم" وإرثه الخالد

مع دفاعه الناجح عن مملكته ضد محاولات الفايكنج للغزو، ونجاحه في تثبيت الاستقرار، أصبح ألفريد الحاكم المهيمن في إنجلترا، ممهدًا الطريق لتوحيد البلاد في نهاية المطاف تحت سلالة واحدة. تفاصيل حياته وإنجازاته محفوظة لنا بفضل عمل ثمين لعالم ويلزي وأسقف يُدعى آسر، الذي كتب سيرة ذاتية لألفريد في القرن التاسع الميلادي بعنوان "حياة الملك ألفريد" (Life of King Alfred). هذه السيرة هي واحدة من المصادر الأساسية لفهم شخصية ألفريد وعصره.

لم يُلقب ألفريد بلقب "العظيم" خلال حياته، بل جاء هذا اللقب تكريمًا له في القرن السادس عشر، ليُصبح الشخصية الإنجليزية الوحيدة التي حظيت بهذا اللقب الرفيع. إنه ليس مجرد لقب، بل هو شهادة على إرثه العميق والدائم؛ لقد كان ملكًا بانيًا، جمع بين الشجاعة العسكرية والرؤية الفكرية والرحمة، ليُخرج مملكته من العصور المظلمة ويضعها على طريق الازدهار والوحدة. إن قصته تظل مصدر إلهام يجسد الصمود والإصلاح والقيادة الحكيمة في وجه الشدائد.

الأسئلة المتكررة (FAQs)

من هو ألفريد العظيم؟

كان ألفريد العظيم ملكًا على غرب ساكسونيا من 871 إلى حوالي 886، ثم ملكًا للأنجلو ساكسون من حوالي 886 حتى وفاته عام 899. يُعرف بدفاعه عن إنجلترا ضد الفايكنج وبإصلاحاته الكبرى في مجالات الحكم والقانون والتعليم.

ما هي أبرز إنجازات ألفريد العظيم العسكرية؟

أبرز إنجازاته العسكرية تشمل انتصاره الحاسم في معركة إيدنجتون عام 878، وإبرام اتفاقية مع الفايكنج لتقسيم إنجلترا (مما أدى إلى إنشاء الدانيلو)، وتنظيم الجيش، وبناء شبكة من التحصينات المعروفة بالبيرغز (Burhs) للدفاع عن مملكته.

كيف ساهم ألفريد العظيم في تطوير التعليم؟

شجع ألفريد التعليم بشكل كبير، واقترح تدريس التعليم الابتدائي باللغة الإنجليزية القديمة بدلاً من اللاتينية. كما كلف بترجمة العديد من النصوص اللاتينية المهمة إلى الإنجليزية القديمة، مما ساهم في إحياء المعرفة والثقافة في عصره.

ما هو الدانيلو (Danelaw)؟

الدانيلو هي المنطقة التي حكمها الفايكنج في شمال إنجلترا وشمال شرق ميدلاندز وشرق أنجليا، والتي تم تأسيسها بموجب اتفاقية السلام بين ألفريد العظيم وزعيم الفايكنج غوثروم بعد معركة إيدنجتون.

لماذا لُقب ألفريد بـ "العظيم"؟

لُقب ألفريد بـ "العظيم" في القرن السادس عشر تقديرًا لإنجازاته الكبيرة في الدفاع عن إنجلترا من الفايكنج، وإصلاحاته الإدارية والعسكرية والقانونية، وجهوده في تعزيز التعليم والثقافة، والتي غيرت وجه إنجلترا بشكل دائم ووضعت أسسًا لتوحيدها.

من هو آسر وما أهمية عمله؟

آسر كان عالمًا ويلزيًا وأسقفًا عاش في القرن التاسع، وكتب سيرة ذاتية للملك ألفريد بعنوان "حياة الملك ألفريد". يُعد هذا العمل مصدرًا رئيسيًا وموثوقًا لفهم حياة ألفريد وإنجازاته وتاريخ إنجلترا في تلك الفترة.