ديفيد كالديروود ، مؤرخ وعالم لاهوت اسكتلندي (مواليد 1575)

يُعد ديفيد كالديروود (1575-1650) اسمًا محوريًا في تاريخ الكنيسة الاسكتلندية، حيث كان قسيسًا ومؤرخًا بارزًا نذر حياته للدفاع عن المبادئ المشيخية في زمن عصف بالاضطرابات الدينية والسياسية. لم يكن كالديروود مجرد رجل دين؛ بل كان شاهدًا ومشاركًا فاعلًا في الصراعات المريرة التي شكلت هوية الكنيسة الاسكتلندية.

في الحقبة التي عاشها كالديروود، كانت الكنيسة الاسكتلندية غارقة في صراع عميق حول طبيعة الحكم الكنسي. فبينما كانت الغالبية تميل نحو النظام المشيخي الذي يؤكد على سلطة الشيوخ والمجالس الكنسية، كانت هناك ضغوط ملكية قوية لفرض النظام الأسقفي، الذي يمنح الأساقفة سلطة مركزية. لم يكن كالديروود ليساوم على مبادئه؛ فقد كان معارضًا صريحًا للأسقفية، ورفض الامتثال للمراسيم الملكية التي كانت تسعى لفرضها. هذا الرفض الشجاع لم يمر دون عواقب، ففي عام 1617، وجد نفسه منفيًا من وطنه، وهي تجربة شاركه فيها العديد من رفاقه المصلحين.

في منفاه، وجد كالديروود ملجأً في البلدان المنخفضة، وبالأخص هولندا، التي كانت آنذاك ملاذًا للمنفيين الدينيين والفكريين من مختلف أنحاء أوروبا. لم يكن هذا المنفى فترة خمول، بل تحول إلى فرصة ذهبية لتعميق دراساته وكتابة أهم أعماله.

Altare Damascenum: هجوم نقدي على الأسقفية

خلال فترة وجوده في هولندا، وضع ديفيد كالديروود تحفته الأدبية والعقائدية، كتاب "مذبح دمشق" (Altare Damascenum) الذي نُشر في عام 1623. لم يكن هذا العمل مجرد كتاب عادي؛ بل كان هجومًا نقديًا لاذعًا وشاملًا على النظام الأسقفي الأنجليكاني، الذي كان يُفرض على الكنيسة الاسكتلندية. يشير العنوان بحد ذاته إلى إشارة تاريخية ودينية عميقة، مستلهمًا من مذبح دمشق الذي بناه الملك آحاز بتوجيهات من آشور (كما ورد في سفر الملوك الثاني 16)، والذي كان يُعتبر رمزًا للعبادة غير المرغوبة أو المبتدعة.

بصبر استثنائي وبراعة فكرية لافتة، تناول كالديروود النظام الأسقفي برمته. لم يترك حجرًا إلا وقلبه، مستشهدًا ببراعة لا مثيل لها بالكتب المقدسة وآباء الكنيسة الأوائل، بالإضافة إلى القانون الكنسي. لقد فند ادعاءات الأسقفية، وأظهر تناقضاتها مع التعاليم المسيحية الأصيلة وممارسات الكنيسة الأولى، مقدمًا دفاعًا قويًا ومفصلًا عن النظام المشيخي كشكل شرعي وأصيل للحكم الكنسي. كان هذا العمل بمثابة مرجع أساسي للمدافعين عن المشيخية، وترك أثرًا عميقًا في النقاشات اللاهوتية والسياسية لتلك الحقبة.

انتصار المبادئ في جمعية غلاسكو (1638)

بعد سنوات من النفي والكفاح الفكري، عاش كالديروود ليشهد بزوغ فجر جديد لمبادئه التي عانى وناضل من أجلها. ففي عام 1637، اندلعت ثورة كبرى في اسكتلندا عُرفت بـ "حروب الأساقفة"، وذلك ردًا على محاولات الملك تشارلز الأول فرض كتاب الصلاة الأنجليكاني (الطقس العالي) على الكنيسة الاسكتلندية. تصاعدت هذه المقاومة لتصل ذروتها في جمعية غلاسكو الكبرى عام 1638.

كان كالديروود حاضرًا في هذه الجمعية التاريخية، وهي لحظة لا تُنسى بالنسبة له. في هذا التجمع المهيب، اتخذت الكنيسة الاسكتلندية قرارًا حاسمًا بمسح الأسقفية من الوجود وإعادة تأسيس النظام المشيخي بشكل كامل. لقد شهد كالديروود بأم عينيه كيف اجتاحت إرادة الشعب والمشايخ الأسقفية والقداس الكنسي العالي، مكنسة إياها من المشهد الكنسي الاسكتلندي. كان هذا بمثابة انتصار مدوٍ للمبادئ التي دافع عنها بشدة في منفاه وعبر كتاباته، وشكل نقطة تحول حاسمة في تاريخ الكنيسة الاسكتلندية، ودُعي هذا العصر بـ "الإصلاح الثاني".

السنوات الأخيرة والإرث الخالد

على الرغم من انتصار مبادئه، إلا أن السنوات الأخيرة من حياة كالديروود لم تخلُ من الاضطراب. توفي في 29 أكتوبر 1650 في مدينة جيدبورغ، وكان حينها فارًا من أبرشيته في بينكايتلاند. يعكس هذا الوضع استمرار التقلبات السياسية والدينية في اسكتلندا خلال فترة حروب الممالك الثلاث، حيث لم يكن الاستقرار دائمًا حتى بعد انتصار المشيخية. تم دفنه في باحة كنيسة كرايلينج، وهو المكان الذي قضى فيه سنوات خدمته الأولى، وكأن القدر أراد له أن يعود إلى جذوره الروحية بعد مسيرة حافلة بالجهاد والنضال. لم يكن كالديروود مجرد لاهوتي ومناظر، بل كان أيضًا مؤرخًا دؤوبًا، حيث ترك وراءه عملًا تاريخيًا ضخمًا يعرف بـ "تاريخ كنيسة اسكتلندا" (The History of the Kirk of Scotland)، والذي يُعد مصدرًا لا يقدر بثمن لفهم تلك الفترة المعقدة. لقد ترك كالديروود إرثًا خالدًا كمدافع شرس عن المبادئ المشيخية وكمؤرخ ترك بصمته على فهم الأجيال اللاحقة لتاريخ الكنيسة الاسكتلندية.

الأسئلة الشائعة حول ديفيد كالديروود

من هو ديفيد كالديروود؟

هو قسيس ومؤرخ اسكتلندي بارز (1575-1650) كرّس حياته للدفاع عن المبادئ المشيخية في الكنيسة الاسكتلندية ومعارضة النظام الأسقفي.

لماذا تم نفي كالديروود؟

تم نفيه عام 1617 بسبب عدم امتثاله للمراسيم الملكية التي كانت تفرض النظام الأسقفي في اسكتلندا، وكان معارضًا صريحًا للأسقفية.

ما هو كتاب Altare Damascenum؟

هو أهم أعمال ديفيد كالديروود، نُشر عام 1623 في هولندا، ويُعد هجومًا نقديًا شاملًا ومفصلًا على النظام الأسقفي الأنجليكاني، مستشهدًا بالكتب المقدسة وآباء الكنيسة والقانون الكنسي.

ما أهمية جمعية غلاسكو عام 1638 في حياة كالديروود؟

كانت هذه الجمعية لحظة انتصار لمبادئ كالديروود. فقد شهد فيها إلغاء الأسقفية وإعادة تأسيس النظام المشيخي في الكنيسة الاسكتلندية، وهو ما كان يدافع عنه لسنوات.

ما هو إرث ديفيد كالديروود؟

يُذكر كالديروود كشخصية رئيسية في الكفاح من أجل المشيخية في اسكتلندا، وكشاهد ومؤرخ لتلك الفترة. تُعد أعماله، وخاصة "تاريخ كنيسة اسكتلندا"، مصادر قيمة لفهم تاريخ الكنيسة الاسكتلندية في القرن السابع عشر.