ويليام تنديل هو أحد أبرز رواد الإصلاح الديني الإنجليزي ومترجمي الكتاب المقدس إلى الإنجليزية. اشتهر بكتابه «طاعة الرجل المسيحي» الصادر عام 1528، وبترجمة العهد الجديد إلى لغة الشعب بعبارات رشيقة وعبقرية لغوية سبقت عصرها. ترك تنديل أثراً فكرياً وسياسياً عميقاً، إذ ساهمت أفكاره في تشكيل علاقة جديدة بين الملك والكنيسة في إنجلترا، وأمدّت اللغة الإنجليزية بتعابير لا تزال حيّة حتى اليوم.
من هو ويليام تنديل؟
ويليام تنديل (Tyndale؛ تُكتب أيضاً Tynsdale، Tindall، Tindill، Tyndall؛ نحو 1494 – 6 أكتوبر 1536) كان باحثاً كتابياً ولغوياً إنجليزياً، وشخصية محورية في سنوات ما قبل الإصلاح الإنجليزي. درس في أكسفورد ثم ارتبط بأوساط كامبريدج الفكرية، وتأثر بأعمال مارتن لوثر وموجة الإصلاح الألمانية. حلمه الكبير كان أن يضع الكتاب المقدس بين يدي القارئ العادي بالإنجليزية، لا باللاتينية وحدها، وأن يُخضع السلطة الكنسية للمساءلة بنور الكتاب.
أعمال بارزة ومكانته التاريخية
- ترجمة العهد الجديد (أول طبعة 1526) ثم طبعات منقحة لاحقاً في أنتويرب.
- كتاب «طاعة الرجل المسيحي» 1528، مطبوع لدى مارتن دي كايزر (Merten de Keyser) في أنتويرب.
- كتاب «سلوك الأساقفة» أو «ممارسة الأساقفة» 1530، انتقد فيه تسييس الطلاق الملكي.
- مصدر أساسي لترجمات لاحقة: الإنجيل العظيم، إنجيل الأساقفة، ثم نسخة الملك جيمس 1611.
المناخ الديني والسياسي في مطلع القرن السادس عشر
جاء تنديل في زمن تموج فيه أوروبا بأسئلة كبرى: إلى أي مدى يُسمح بقراءة الكتاب المقدس بلغة الشعب؟ وما حدود سلطة البابا على الملوك؟ في ألمانيا أحدثت أطروحات لوثر زلزالاً لاهوتياً، وفي إنجلترا تراكم التوتر بين الحكم الملكي وروما. بين هذه الأمواج، وجد تنديل نفسه يترجم ويجادل ويُطارد.
«طاعة الرجل المسيحي» (1528): العنوان، السياق، والفكرة المحورية
العنوان الأصلي كما ظهر في الطبعة الأولى كان: «The Obedience of a Christen man, and how Christen rulers ought to govern, wherein also (if thou mark diligently) thou shalt find eyes to perceive the crafty conveience of all iugglers». يُختصر عادة إلى «The Obedience of a Christian Man»، ويُعرّب إلى «طاعة الرجل المسيحي». طُبع العمل في أنتويرب لدى مارتن دي كايزر عام 1528.
ماذا يقول الكتاب؟
- سيادة الملك على الشؤون الكنسية في بلاده: يجادل تنديل بأن ملك البلد ينبغي أن يكون رأس كنيسة بلده، لا البابا البعيد. هذه الحجة لم تكن مجرد تكتيك سياسي، بل انطلقت من قراءة نصية للكتاب المقدس عن «السلطات القائمة» ومسؤولية الحاكم أمام الله.
- من أوائل الدعوات الإنجليزية لمفهوم الحق الإلهي للملوك: يُنظر إلى الكتاب كأقدم عرض باللغة الإنجليزية لفكرة أن الملك يستمد سلطته مباشرة من الله لا من وسيط كنسي، وهي فكرة تُنسَب أحياناً خطأً إلى اللاهوت الكاثوليكي وحده.
- أولوية كلمة الله: يضع تنديل الكتاب المقدس فوق التقاليد الكنسية حين تتعارض، مؤكداً أن سلطة الكنيسة تُفهم وتُقاس بالنص لا العكس.
- مسؤولية الرعاة والحكام: يدعو إلى حُكم صالح عادل، قائماً على رعاية الشعب لا على استغلالهم باسم الدين.
لماذا أحدث الكتاب صدى واسعاً؟
لأنه قدّم إطاراً لاهوتياً عملياً يعيد ترتيب العلاقة بين الدولة والكنيسة. وفي إنجلترا التي دخلت في شد وجذب مع روما، بدا الكتاب كمن يمنح الشرعية الفكرية لتحوّل تاريخي. لذا عُدّ مع الوقت أحد النصوص التي مهدت لسنّ قانون السيادة الدينية للملك.
من الكتاب إلى القصر: تأثيره على هنري الثامن
تسرّبت نسخة من «طاعة الرجل المسيحي» إلى يد الملك هنري الثامن. ويُعتقد على نطاق واسع أن الكتاب وفّر إحدى الركائز الفكرية لقرار هنري الانفصال عن روما وإقرار «قانون السيادة» عام 1534 الذي أعلن فيه نفسه الحاكم الأعلى للكنيسة في إنجلترا. المفارقة أن تنديل نفسه لم يكن رجل بلاط؛ إذ وقف ضد طلاق هنري من كاثرين أراغون لأسباب كتابية، وشرح ذلك في كتابه «سلوك الأساقفة» عام 1530، ما عرّضه لغضب الملك والنخبة الدينية المؤيدة للطلاق.
خلافات حادة ثم مطاردة
بسبب جرأة مواقفه، فرّ تنديل من إنجلترا إلى الأراضي الخاضعة للإمبراطور الكاثوليكي شارل الخامس. هناك واصل العمل والطباعة، لكن خصومه لحقوا به. في 1535 اعتُقل في محيط أنتويرب وسُجن في قلعة فيلفورد قرب بروكسل لأكثر من عام.
الإعدام والصدى الأخير
في 1536 أُدين بالهرطقة، وخُنق ثم أُحرق جسده. نسب إليه المؤرخون دعاءه الأخير: أن يفتح الرب عيني ملك إنجلترا. وبعد عام، بدا أن الدعاء وجد طريقه؛ إذ أُجيز «إنجيل ماثيو» 1537، وهو في جوهره عمل تنديل مع استكمالات من جون روجرز ومايلز كوفر دايل.
مشروع الترجمة: كيف صاغ تنديل إنجيزية الناس؟
ترجم تنديل العهد الجديد من اليونانية، مع عناية بالمصطلح والمعنى وبأسلوب إنجليزي ناصع. انتقى كلمات رشيقة خالدة، فصار نصه أساساً لطبعات لاحقة. وبعده جاء «الإنجيل العظيم» و«إنجيل الأساقفة»، ثم نسخة الملك جيمس 1611 التي نهلت منه بسخاء.
أرقام وتأثيرات موثّقة
- تقديرات معروفة تفيد بأن نحو 83% من العهد الجديد في نسخة الملك جيمس هو من صياغة تنديل.
- وفي العهد القديم، تصل النسبة إلى حوالي 76% في الأجزاء التي كان لتنديل أثر فيها قبل استشهاده.
هذه الأرقام تكشف أن تأثيره لم يكن عارضاً؛ لقد أسّس الإيقاع والعبارات الأساسية للإنجليزية الكتابية التي شكّلت الذائقة اللغوية للأجيال.
عبارات صارت أمثالاً
- the powers that be — السلطات القائمة
- the spirit is willing, but the flesh is weak — الروح نشيطة أما الجسد فضعيف
- filthy lucre — مكسب دنس
- scapegoat — التيس الحَمِيل/كبش الفداء
هذه العبارات وأشباهها دخلت الإنجليزية العامة وأثرت الأدب والخطاب السياسي لاحقاً.
شبكة الطباعة والتهريب
كانت الطباعة في إنجلترا محاصرة بتراخيص وملاحقات. لذا لجأ تنديل إلى مراكز الطباعة في أوروبا القارية. طبع «طاعة الرجل المسيحي» في أنتويرب لدى مارتن دي كايزر، وهرّبت نسخ إلى إنجلترا عبر قنوات تجارية. حدث مثله مع طبعات العهد الجديد، وهو ما دفع السلطات الإنجليزية إلى حملات مصادرة وحرق علني للكتب.
مكانته الثقافية والشعبية
بعيداً عن الجدل السياسي، يُعد تنديل مهندساً مبكراً للغة الإنجليزية الحديثة. وصوته لا يزال مسموعاً في النصوص الدينية والأدبية. وفي استطلاع البي بي سي عام 2002 حول أعظم 100 شخصية بريطانية، حلّ في المرتبة 26، إشارة إلى الاعتراف المتأخر بقيمة عمله.
تصويبات وأخطاء شائعة
- الحق الإلهي للملوك: ليس «اختراعاً» كاثوليكياً صرفاً؛ يُعد كتاب تنديل من أوائل ما صاغ الفكرة بوضوح باللغة الإنجليزية، مع تكييفها ضمن إطار كتابي.
- تنديل وطلاق هنري: على عكس ما قد يُتصوّر، لم يكن تنديل بوقاً للملك؛ فقد عارض الطلاق لأسباب كتابية رغم تقاطع حججه السياسية لاحقاً مع مسعى هنري للسيادة على الكنيسة.
- ترجمة فردية أم مشروع جماعي؟ بذل تنديل جهداً شخصياً خارقاً، لكنه استفاد من النقد العلمائي ومن شبكة طباعة دولية، ثم بُني على عمله في ترجمات جماعية لاحقة.
لماذا يهمنا ويليام تنديل اليوم؟
لأن قصته تجمع بين الشجاعة الفكرية والكلفة الشخصية. لقد دافع عن وصول النص المقدس إلى عامة الناس، وربط السلطة السياسية بالمساءلة أمام كلمة الله، وشيّد جسوراً لغوية لا تزال تُعبر عليها الثقافة الإنجليزية حتى الآن. وفي زمن تتجدد فيه النقاشات حول العلاقة بين الدين والدولة وحرية الضمير، يمنحنا تنديل نموذجاً للجدل الرصين القائم على النص، لا على الشعارات.
ملامح سريعة ومفيدة
- تاريخ إصدار «طاعة الرجل المسيحي»: 1528، في أنتويرب.
- الناشر: مارتن دي كايزر (Merten de Keyser).
- أهم فكرة: الملك رأس كنيسة بلده، مع أولوية النص المقدس على التقاليد حين تتعارض.
- أثر سياسي محتمل: أسهم في التمهيد لقانون السيادة 1534 في عهد هنري الثامن.
- مصير المؤلف: اعتقال 1535، إعدام 1536 خنقاً ثم حرقاً بتهمة الهرطقة.
- إرث لغوي: عبارات مؤثرة وأسلوب إنجليزي واضح أنجبته ترجماته.
خلاصة
ويليام تنديل ليس مجرد اسم في هوامش الإصلاح؛ إنه قنطرة عبرت عليها أفكار ولاهوتات وسياسات، وأسلوب لغوي أنيق صاغته يد مخلص عاش ومات لأجل أن تصل الكلمة إلى الناس. بكتابه «طاعة الرجل المسيحي» قدّم تصوراً جريئاً لمسؤولية الحاكم ومكانة النص المقدس، وبترجماته وضع حجر الأساس للإنجليزية الكتابية التي ستبلغ ذروتها في نسخة الملك جيمس. لقد دفع حياته ثمناً لمبادئه، لكن إرثه لا يزال يضيء صفحات التاريخ واللغة معاً.
الأسئلة الشائعة
من هو ويليام تنديل بإيجاز؟
مصلح إنجليزي ومترجم للكتاب المقدس (نحو 1494–1536)، قاد مشروعاً لإتاحة النص المقدس بالإنجليزية، وكتب «طاعة الرجل المسيحي» الذي أثر في علاقة إنجلترا بروما.
ما الفكرة الأساسية في «طاعة الرجل المسيحي»؟
أن ملك البلد يجب أن يكون رأس كنيسة بلده، وأن سلطة الكنيسة تُقاس بالنص الكتابي. ويُعد من أوائل النصوص الإنجليزية التي صاغت فكرة الحق الإلهي للملوك ضمن إطار كتابي.
هل دعم تنديل طلاق هنري الثامن؟
لا. في كتاب «سلوك الأساقفة» 1530 عارض الطلاق لأسباب كتابية، وهو ما أغضب الملك، رغم أن أفكاره في «طاعة الرجل المسيحي» خدمت لاحقاً مشروع هنري للسيادة على الكنيسة.
ما حجم تأثير تنديل على نسخة الملك جيمس 1611؟
تُقدّر نسبة نص تنديل في العهد الجديد لنسخة الملك جيمس بنحو 83%، وفي العهد القديم بنحو 76% في الأجزاء التي ترجمها أو أثّر فيها.
أين ومتى طُبع كتاب «طاعة الرجل المسيحي»؟
طُبع عام 1528 في مدينة أنتويرب لدى الناشر مارتن دي كايزر، ثم هُرّبت نسخ إلى إنجلترا.
لماذا أُعدم تنديل؟ وهل حاول أحد إنقاذه؟
أُدين بتهمة الهرطقة بسبب ترجماته وأطروحاته المعارضة للسلطة الكنسية. حاول توماس كرومويل، وزير هنري الثامن، التدخل لصالحه بعد اعتقاله في 1535، لكن الجهود باءت بالفشل وأُعدم عام 1536.
ما أبرز إسهاماته اللغوية؟
صياغات إنجليزية رنانة دخلت لغة الحياة اليومية مثل the powers that be وscapegoat وfilthy lucre، فضلاً عن أسلوب بسيط ودقيق أثر في الترجمات اللاحقة والأدب الإنجليزي.