هبطت طوارئ الكابتن سولي (تشيسلي سولينبرغر) في رحلة الخطوط الجوية الأمريكية رقم 1549 في نهر هدسون لإنقاذ جميع الركاب البالغ عددهم 155 راكبًا بعد اصطدام الطائرة بالطيور بعد دقائق قليلة من إقلاعها.
تشيزلي بورنيت "سولي" سالينبرغر الثالث، المولود في 23 يناير 1951، هو اسمٌ ارتبط بالبطولة الفائقة والمهارة الاستثنائية في عالم الطيران. قبل أن يُصبح دبلوماسياً مرموقاً، كان سولي طياراً محترفاً عمل في الخطوط الجوية لثلاثة عقود، اكتسب خلالها خبرة لا تُضاهى، وهو ما تجلّى بأبهى صوره في يومٍ مشهودٍ لا يزال يُحكى عنه حتى اليوم، حيث قاد الطائرة الأميركية "إيرباص A320" في ما بات يعرف بـ"معجزة على نهر هدسون".
معجزة على نهر هدسون: بطولة في سماء نيويورك
في 15 يناير 2009، استقلت الرحلة رقم 1549 التابعة لخطوط US Airways الجوية، وهي طائرة إيرباص A320، مُقلعةً من مطار لاغوارديا في مدينة نيويورك متجهةً إلى شارلوت بولاية نورث كارولينا. بعد وقت قصير جداً من الإقلاع، وفي لحظاتٍ حرجة، ارتطمت الطائرة بسرب من الإوز الكندي، وهو حادثٌ يُعرف بـ "ضربة الطيور"، مما أدى إلى تعطل كلا المحركين وفقدان كامل لقوتهما الدافعة. في تلك اللحظة الحاسمة، كان الكابتن سولي سالينبرغر ومساعده جيفري سكيلز في قمرة القيادة أمام تحدٍ غير مسبوق. مع ارتفاعهما المنخفض وعدم وجود وقت كافٍ أو مسافة للوصول إلى أي مطار قريب للهبوط الاضطراري، اتخذ الطياران قراراً شجاعاً ومصيرياً: الهبوط بالطائرة على نهر هدسون البارد قبالة وسط مانهاتن.
كان الهبوط المائي للطائرة، التي أصبحت بلا قوة دفع، عمليةً دقيقة تتطلب أقصى درجات التركيز والخبرة. بفضل مهارتهما الاستثنائية وهدوئهما المذهل تحت الضغط، تمكن سولي وسكيلز من إنزال الطائرة بسلاسة نسبية على سطح الماء. فور وقوع الحادثة، هرعت القوارب القريبة من مكان الحادث، من عبّارات وزوارق الإنقاذ، لتقديم المساعدة. وبفضل الاستجابة السريعة والمنسقة، تم إنقاذ جميع الركاب وأفراد الطاقم البالغ عددهم 155 شخصاً بأمان، مع الإبلاغ عن إصابات قليلة غير خطيرة. أصبحت هذه الحادثة، التي لم تُسفر عن أي وفيات، تُعرف عالمياً باسم "معجزة على نهر هدسون"، ووصفها مسؤول في المجلس الوطني لسلامة النقل (NTSB) بأنها "أنجح عملية هبوط مائي في تاريخ الطيران". وقد رفض المجلس بشكل قاطع الفكرة القائلة بأن الطيار كان بإمكانه تجنب الهبوط المائي بالعودة إلى مطار لاغوارديا أو التحويل إلى مطار تيتيربورو القريب، مؤكداً أن قرار الكابتن سالينبرغر كان الأنسب والأكثر أماناً.
إرث من السلامة والخدمة: بعد معجزة هدسون
لم تكن "معجزة على نهر هدسون" نهاية مسيرة سولي سالينبرغر، بل كانت بداية فصل جديد ومؤثر في حياته المهنية. بعد هذا الإنجاز البطولي، أصبح سالينبرغر مدافعاً صريحاً عن سلامة الطيران، حيث ساهم بفاعلية في تطوير بروتوكولات جديدة لشركات الطيران بهدف تعزيز الأمان وتقليل المخاطر. تقديراً لخبرته ورؤيته، شغل منصب الرئيس المشارك لبرنامج مقدمة الشباب للطائرات التابع لجمعية الطائرات التجريبية (EAA)، وذلك إلى جانب مساعده في الرحلة 1549، جيفري سكيلز، في الفترة من عام 2009 إلى عام 2013، حيث عملا على إلهام الجيل القادم من الطيارين.
في 3 مارس 2010، وبعد مسيرة امتدت لثلاثين عاماً كطيار تجاري، أعلن سالينبرغر تقاعده من الطيران التجاري، لكن شغفه بسلامة الطيران لم يتوقف. ففي مايو من العام التالي، عينته شبكة CBS News كخبير في شؤون الطيران والسلامة، مقدماً تحليلاته ورؤاه الثاقبة للجمهور. لم يقتصر تأثيره على المجال العملي والإعلامي فحسب، بل امتد ليشمل الأدب أيضاً. شارك سالينبرغر في تأليف كتاب "أعلى واجب: بحثي عما يهم حقاً" (Highest Duty: My Search for What Really Matters) مع جيفري زاسلو، وهو مذكرات تُسرد قصة حياته والأحداث المحيطة بالرحلة 1549، وقد صدر الكتاب عن دار هاربركولينز للنشر عام 2009 وحقق مبيعات عالية ضمن قائمة نيويورك تايمز لأكثر الكتب مبيعاً. وفي مايو 2012، نشر كتابه الثاني بعنوان "إحداث فرق: قصص الرؤية والشجاعة من قادة أمريكا" (Making a Difference: Stories of Vision and Courage from America's Leaders)، ليُقدم من خلاله رؤى حول القيادة والإلهام.
حظي سالينبرغر بتقدير واسع النطاق على الصعيدين الوطني والدولي. ففي عام 2009، صنفته مجلة تايم في المرتبة الثانية ضمن قائمة أفضل 100 بطل وأيقونة مؤثرة، بعد السيدة الأولى آنذاك ميشيل أوباما. كما نال هو وزملاؤه الطيارون والمضيفون وسام الماجستير من نقابة الطيارين الجويين والملاحين الجويين، تقديراً لـ "إنجازهم البطولي والفريد من نوعه في مجال الطيران".
في خطوة تعكس ثقة الولايات المتحدة في خبرته الدبلوماسية ومعرفته العميقة بقطاع الطيران، أعلن الرئيس جو بايدن في 15 يونيو 2021 عن نيته ترشيح سالينبرغر ممثلاً للولايات المتحدة لدى منظمة الطيران المدني الدولي (إيكاو) برتبة سفير. وقد تم تأكيد هذا الترشيح بالإجماع في مجلس الشيوخ الأمريكي في 2 ديسمبر 2021، وبدأ مهامه سفيراً منذ فبراير 2022، ليواصل بذلك خدمة بلاده والمجتمع الدولي في تعزيز سلامة الطيران.
ولم يقتصر تأثير قصته على الواقع فقط، بل امتد ليُلهم الفن أيضاً؛ فقد تم تجسيد أحداث الرحلة 1549 وشخصية سالينبرغر البطولية في الفيلم السينمائي "سولي" (Sully) عام 2016، حيث أدى الممثل العالمي توم هانكس دور الكابتن سالينبرغر بإتقان، ليُخلد بذلك هذه القصة الاستثنائية في الذاكرة الجمعية.
أسئلة متكررة (FAQs)
- من هو الكابتن سولي سالينبرغر؟
- تشيزلي بورنيت "سولي" سالينبرغر الثالث هو طيار طيران متقاعد ودبلوماسي أمريكي، اشتهر ببطولته كقائد لرحلة الخطوط الجوية الأمريكية رقم 1549 التي هبط بها اضطرارياً في نهر هدسون عام 2009 بعد تعطل محركيها إثر اصطدام بقطيع من الطيور، مما أسفر عن نجاة جميع الركاب والطاقم وعددهم 155 شخصاً.
- ما هي "معجزة على نهر هدسون"؟
- هي التسمية التي أُطلقت على الهبوط المائي الناجح لرحلة الخطوط الجوية الأمريكية رقم 1549 في نهر هدسون في 15 يناير 2009. قام الكابتن سالينبرغر ومساعده جيفري سكيلز بهذا الهبوط الاضطراري ببراعة بعد تعطل محركات الطائرة، مما أدى إلى نجاة جميع الركاب والطاقم، ووصفه البعض بأنه أنجح عملية هبوط اضطراري في تاريخ الطيران.
- لماذا لم يتمكن سولي من العودة إلى المطار؟
- أظهر تحقيق المجلس الوطني لسلامة النقل (NTSB) أن الطيارين لم يكن لديهما الوقت الكافي أو الارتفاع الكافي للوصول إلى أي من المطارات القريبة (مثل لاغوارديا أو تيتيربورو) بأمان بعد فقدان قوة المحرك. كان الهبوط في نهر هدسون هو الخيار الوحيد القابل للتطبيق لإنقاذ الأرواح.
- ماذا فعل الكابتن سولي بعد الحادثة؟
- بعد الحادثة، أصبح سولي مدافعاً قوياً عن سلامة الطيران، وساعد في تطوير بروتوكولات جديدة. تقاعد من الطيران التجاري في عام 2010، وعمل كخبير في شؤون الطيران والسلامة لشبكة CBS News. كما ألف كتابين عن حياته وقيادته، وشغل لاحقاً منصب سفير الولايات المتحدة لدى منظمة الطيران المدني الدولي (إيكاو).
- ما هي منظمة الطيران المدني الدولي (إيكاو)؟
- إيكاو (ICAO) هي وكالة متخصصة تابعة للأمم المتحدة، تأسست عام 1944 لتعزيز سلامة وكفاءة الملاحة الجوية الدولية. تضع الوكالة معايير وممارسات موصى بها للملاحة الجوية، وتسهل التعاون الدولي في جميع جوانب الطيران المدني.
- هل تم تجسيد قصة الكابتن سولي في فيلم؟
- نعم، تم إنتاج فيلم بعنوان "سولي" (Sully) عام 2016 يروي قصة الرحلة 1549 والهبوط الاضطراري البطولي. قام الممثل توم هانكس بتجسيد شخصية الكابتن سولي سالينبرغر في الفيلم.