كان نيتشيرين (6 أبريل 1222 - 13 أكتوبر 1282) شخصية محورية في تاريخ البوذية اليابانية، حيث برز ككاهن بوذي وفيلسوف متميز خلال فترة كاماكورا المضطربة (1185-1333). كانت هذه الفترة تتسم بالتحولات السياسية والاجتماعية الكبرى، مما مهد الطريق لظهور مدارس بوذية جديدة تسعى لتقديم طريق للخلاص يتناسب مع عصر يُنظر إليه على أنه يمر بأوقات عصيبة.

الرؤية الروحية لنيتشيرين واللوتس سوترا

في قلب تعاليم نيتشيرين كانت قناعته الراسخة بأن لوتس سوترا (سوترا اللوتس) وحدها تحتوي على الحقيقة العليا لتعاليم بوذا، وهي التعاليم الأكثر ملاءمة للعصر الثالث للبوذية، المعروف باسم مابو (باليابانية: 末法)، أو "عصر نهاية القانون". في هذا العصر، يُعتقد أن القدرة على تحقيق التنوير من خلال الممارسات البوذية التقليدية قد تضاءلت، وأن التعاليم الأسهل والأكثر مباشرة ضرورية. أعلن نيتشيرين في 28 أبريل 1253، أثناء وجوده على جبل كيوسومي (والذي يحتفل به الآن معبد سيشو-جي في كاموغاوا بمحافظة تشيبا)، عن هذا الكشف العميق، معتبراً أن سوترا اللوتس هي الملاذ الوحيد الموثوق به للبشرية جمعاء.

دعوة نيتشيرين للمجتمع الياباني

لم تكن رؤية نيتشيرين دينية بحتة؛ بل امتدت لتشمل المجال الاجتماعي والسياسي. فقد أصر على أن حاكم اليابان وشعبها يجب أن يدعموا هذا الشكل الوحيد من البوذية ويقضوا على جميع أشكال البوذية الأخرى، معتبراً إياها انحرافات لا تتناسب مع عصر مابو. كان يعتقد أن تبني سوترا اللوتس كالدين الوطني هو السبيل الوحيد لضمان السلام والازدهار للأمة. هذه الدعوة الجذرية غالبًا ما وضعته في صراع مع السلطات الدينية والمدنية في عصره، مما أدى إلى اضطهادات ونفي متكرر.

ممارسة النامو ميهو رينغي كيو (دايموكو)

الركيزة الأساسية لممارسة نيتشيرين هي الدعوة إلى التلاوة المتكررة لعنوان سوترا اللوتس باليابانية: نامو ميهو رينغي كيو (باليابانية: 南無妙法蓮華経). تُعرف هذه العبارة باسم دايموكو (باليابانية: 題目)، أو بشكل تشريفي، أو-دايموكو (باليابانية: お題目)، وتمثل الطريق الوحيد لتحقيق البوذية في نظر نيتشيرين.

معنى الدايموكو وجوهر البوذية

في اللغة الإنجليزية، تُترجم "نامو ميهو رينغي كيو" غالبًا إلى "التفاني لقانون اللوتس السوترا الغامض" أو "المجد لدارما اللوتس السوترا". الكلمات "ميهو رينغي كيو" تشير مباشرة إلى العنوان الياباني لسوترا اللوتس. اعتبر نيتشيرين أن شاكياموني بوذا وجميع الآلهة البوذية الأخرى كانت مجرد مظاهر غير عادية لطبيعة بوذا الأصيلة والعميقة، والتي أطلق عليها اسم "ميهو-رينغي" (باليابانية: 妙法蓮華). هذه الطبيعة البوذية، التي هي جوهر الكون نفسه، يمكن للجميع الوصول إليها على قدم المساواة، بغض النظر عن خلفيتهم أو وضعهم. وبالتالي، فإن ترديد الدايموكو ليس مجرد استدعاء لعنوان السوترا، بل هو فعل يربط الفرد مباشرة بهذه الطبيعة البوذية الكونية الكامنة في داخل كل كائن حي.

الغرض من ترديد الدايموكو

تُعرف ممارسة الترديد لفترات طويلة باسم شوداي (باليابانية: 唱題). يزعم المؤمنون السائدون أن الغرض الأساسي من ترديد الدايموكو هو تقليل المعاناة عن طريق القضاء على الكارما السلبية وتخفيف العقوبات الكارمية المتراكمة من الأعمار السابقة والحالية. والهدف الأسمى من هذه الممارسة هو تحقيق اليقظة الكاملة والتامة (التنوير)، مما يمكن الأفراد من إظهار حكمتهم ورحمتهم الكامنة في حياتهم اليومية.

مسيرة نيتشيرين وإرثه

كان نيتشيرين كاتبًا غزير الإنتاج، وقد استُقيت سيرته الذاتية ومزاجه وتطور معتقداته بشكل أساسي من مجموعة كبيرة من رسائله ومقالاته ومواعظه. هذا الكم الهائل من الكتابات يوفر نافذة فريدة على فكره وعمق رؤيته. ادعى في حياته أنه تجسيد لجوجيو بوديساتفا (باليابانية: 上行菩薩)، وهو أحد البوديساتفا الأربعة الذين ظهروا من الأرض في سوترا اللوتس لنشر تعاليمها في العصر المابو. عيّن نيتشيرين ستة من كبار التلاميذ لخلافته، إلا أن ادعاءات الخلافة بينهم تعرضت للطعن والتفسيرات المختلفة بعد وفاته، مما أدى إلى ظهور مدارس متعددة.

التكريمات بعد وفاته

بعد وفاته، نال نيتشيرين تكريمات رفيعة تعكس تقديره كشخصية دينية مهمة في اليابان. في عام 1358، منحه الإمبراطور غو-كوغون لقب نيتشيرين داي-بوساتسو (باليابانية: 日蓮大菩薩، أي "بوديساتفا نيتشيرين العظيم"). وفي عام 1922، أي بعد قرون من وفاته، مُنح لقب ريشّو دايشي (باليابانية: 立正大師، أي "المعلم العظيم للتصحيح") بموجب مرسوم إمبراطوري من الإمبراطور تايشو، مما يؤكد الاعتراف الدائم بإسهاماته.

البوذية النيتشيرينية اليوم: تنوع الرؤى

اليوم، تشمل البوذية النيتشيرينية مجموعة واسعة ومتنوعة من المدارس والمجموعات، مما يعكس الأثر الدائم لتعاليم نيتشيرين ومرونتها في التكيف مع العصور المختلفة. تضم هذه المدارس كلاً من:

• مدارس المعابد التقليدية: مثل طوائف نيتشيرين شو (Nichiren Shū) ونيتشيرين شوشو (Nichiren Shōshū).
• الحركات العلمانية الحديثة: مثل سوكا غاكاي (Soka Gakkai)، ريشّو كوسيه كاي (Risshō Kōsei Kai)، رييوكاي (Reiyūkai)، كينشوكاي (Kenshōkai)، هونمون بوتسوريون هوك (Honmon Butsuryū-shū)، كيمبون هوك (Kempon Hokke)، وشوشينكاي (Shoshinkai)، من بين العديد من الحركات الأخرى.

لكل مجموعة من هذه المجموعات وجهات نظر وتفسيرات مختلفة لتعاليم نيتشيرين، تتراوح من الاعتقاد بأنه كان مجرد تجسيد لبوديساتفا فيسيستاكاريترا (Jōgyō Bodhisattva) إلى اعتباره "بوذا الحقيقي البدائي" (باليابانية: 本仏، هونبوتسو) لعصر المابو. هذا التنوع يثري المشهد الروحي للبوذية النيتشيرينية ولكنه يؤدي أيضًا إلى نقاشات حيوية حول الهوية الحقيقية والمغزى الأعمق لتعاليم نيتشيرين.

الأسئلة الشائعة حول نيتشيرين والبوذية النيتشيرينية

من هو نيتشيرين؟

كان نيتشيرين راهبًا بوذيًا يابانيًا وفيلسوفًا عاش في القرن الثالث عشر خلال فترة كاماكورا المضطربة. يعتبر مؤسس البوذية النيتشيرينية، التي تركز على تعاليم لوتس سوترا (سوترا اللوتس).

ما هي الأهمية الرئيسية للوتس سوترا في تعاليم نيتشيرين؟

بالنسبة لنيتشيرين، لوتس سوترا هي التعبير الكامل والنهائي لتعاليم بوذا، وهي التعاليم الوحيدة المناسبة لعصر "مابو" (عصر نهاية القانون). كان يعتقد أنها تحتوي على مفتاح تحقيق التنوير والسعادة لجميع البشر في هذا العصر.

ما هو "نامو ميهو رينغي كيو" (الدايموكو) وماذا يعني؟

"نامو ميهو رينغي كيو" هي العبارة المركزية التي يرددها أتباع البوذية النيتشيرينية. تعني "التفاني لقانون اللوتس السوترا الغامض" أو "المجد لدارما اللوتس السوترا". الكلمات "ميهو رينغي كيو" هي العنوان الياباني لسوترا اللوتس، بينما "نامو" تعني "التفاني لـ" أو "الإخلاص لـ".

لماذا يردد أتباع نيتشيرين الدايموكو؟

يعتقد أتباع نيتشيرين أن ترديد الدايموكو (شوداي) هو الممارسة الأساسية لتفعيل طبيعة بوذا الكامنة بداخلهم. تهدف هذه الممارسة إلى القضاء على الكارما السلبية، وتقليل المعاناة، وتحقيق اليقظة الكاملة (التنوير) في هذه الحياة.

هل البوذية النيتشيرينية حركة موحدة؟

لا، البوذية النيتشيرينية ليست حركة موحدة تمامًا. بل تشمل مجموعة واسعة من المدارس والطوائف التقليدية (مثل نيتشيرين شو ونيتشيرين شوشو) والحركات العلمانية (مثل سوكا غاكاي). كل مجموعة لديها تفسيراتها الخاصة لتعاليم نيتشيرين وهويته.

ما هو عصر "مابو"؟

في المفهوم البوذي، "مابو" هو العصر الثالث والأخير من ثلاثة عصور تلي وفاة بوذا التاريخي. يُعتقد أنه عصر يتسم بالصراعات والاضطرابات، حيث تتراجع قدرة الناس على تحقيق التنوير من خلال الممارسات التقليدية. رأى نيتشيرين أن سوترا اللوتس وعبارة الدايموكو كانت التعاليم الوحيدة الفعالة للخلاص في هذا العصر.