تطلب شركة كرايسلر من حكومة الولايات المتحدة 1.5 مليار دولار لتجنب الإفلاس.

تُعرف شركة كرايسلر، رسميًا باسم FCA US LLC وأيضًا باسم Stellantis North America، كإحدى الركائز الأساسية في صناعة السيارات الأمريكية، إذ تصنف ضمن "الشركات الثلاث الكبرى" التي شكّلت تاريخ وثقافة المركبات في الولايات المتحدة. تتخذ هذه الشركة العريقة من أوبورن هيلز بولاية ميشيغان، قلب الصناعة الأمريكية، مقرًا رئيسيًا لها. وفي إطار هيكلها الحالي، تعمل كرايسلر كفرع أمريكي حيوي لشركة Stellantis العالمية لصناعة السيارات، والتي تتخذ من هولندا مقرًا لها.

لا تقتصر محفظة Stellantis North America على العلامة التجارية كرايسلر فحسب؛ بل تشمل أيضًا مجموعة واسعة من العلامات التجارية الشهيرة التي تلبي مختلف الأذواق والاحتياجات في الأسواق العالمية. فبالإضافة إلى كرايسلر، تبيع الشركة مركباتها تحت أسماء مثل دودج (Dodge) المعروفة بقوتها وأدائها، وجيب (Jeep) الأيقونية في عالم المركبات الرباعية الدفع والمغامرات، ورام (Ram) المتخصصة في الشاحنات القوية. علاوة على ذلك، تضم الشركة قسم موبار (Mopar)، الرائد في توفير قطع الغيار الأصلية والملحقات عالية الجودة، وSRT، القسم المخصص لسيارات الأداء الفائق التي تجمع بين التكنولوجيا المتطورة والقوة المطلقة.

مسيرة كرايسلر التاريخية: من التأسيس إلى التحالفات العالمية

تعود جذور شركة كرايسلر الأصلية إلى عام 1925، عندما أسسها رائد صناعة السيارات الأمريكي والتر كرايسلر. لم يبدأ المشروع من الصفر تمامًا، بل قام على أساس بقايا شركة ماكسويل موتور (Maxwell Motor Company) المتعثرة، حيث رأى والتر كرايسلر فرصة لإعادة بناء وابتكار. لقد وضع رؤية جريئة لشركة جديدة تركز على الهندسة المتقدمة والقيمة والجودة، مما سرعان ما مكنها من حجز مكان لها بين كبار المصنعين.

على مر السنين، شهدت كرايسلر تحولات ملكية وهيكلية عديدة عكست ديناميكيات صناعة السيارات العالمية. في عام 1998، دخلت الشركة في شراكة تاريخية مع عملاق السيارات الألماني، دايملر بنز (Daimler-Benz)، في اندماج أُطلق عليه حينها "اندماج المتساوين" ليشكلا معًا شركة دايملر كرايسلر (DaimlerChrysler). إلا أن هذا الاندماج الطموح لم يدم طويلًا، وفي عام 2007، قررت دايملر بيع حصتها في كرايسلر، لتستقل الأخيرة وتعود للعمل تحت اسم Chrysler LLC بين عامي 2007 و 2009، ثم Chrysler Group LLC من 2009 إلى 2014.

كان عام 2014 نقطة تحول كبرى أخرى، عندما استحوذت شركة فيات الإيطالية (Fiat SpA) بالكامل على كرايسلر، لتصبح جزءًا لا يتجزأ من الكيان الجديد الذي سُمي فيات كرايسلر للسيارات (Fiat Chrysler Automobiles - FCA). ومع حلول عام 2021، أبحرت كرايسلر ضمن سفينة عملاقة جديدة هي ستيلانتس (Stellantis)، الناتجة عن الاندماج الضخم بين FCA ومجموعة PSA الفرنسية (Peugeot Société Anonyme)، لتؤسس بذلك واحدة من أكبر شركات السيارات في العالم وتفتح فصلًا جديدًا في تاريخ كرايسلر الحافل.

عقود من التوسع والتحديات والتعافي

بعد تأسيس كرايسلر، طبق والتر كرايسلر ببراعة استراتيجيات التنويع والتسلسل الهرمي للعلامات التجارية التي تعلمها واكتسبها خلال عمله في قسم بويك التابع لشركة جنرال موتورز. هذه الرؤية سمحت له بتوسيع نفوذ الشركة بسرعة. ففي عام 1928، استحوذت كرايسلر على شركتي "فارغو تراكس" (Fargo Trucks) و"دودج بروذرز كومباني" (Dodge Brothers Company) المرموقتين، كما أطلق علامتين تجاريتين جديدتين هما بليموث (Plymouth)، التي استهدفت السوق الأقل تكلفة، ودي سوتو (DeSoto)، التي كانت موجهة للشريحة المتوسطة، مما أرسى أسسًا قوية لمحفظة منتجات متنوعة.

لكن مسيرة النمو لم تكن خالية من العقبات. ففي فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، واجهت كرايسلر تحديات كبيرة تمثلت في تراجع حصتها السوقية، انخفاض الإنتاجية، وتآكل الأرباح، خاصة مع النمو الهائل الذي شهدته منافستيها جنرال موتورز وفورد. لتجاوز هذه الأزمة، اضطرت الشركة في عام 1954 إلى اقتراض 250 مليون دولار من شركة برودينشال للتأمين لتمويل خطط التوسع وتحديث تصميمات سياراتها لتواكب متطلبات العصر.

خلال الستينيات، سعت كرايسلر للتوسع عالميًا، خصوصًا في القارة الأوروبية، من خلال الاستحواذ على شركات سيارات فرنسية وبريطانية وإسبانية. إلا أن هذا التوسع لم يحقق النجاح المأمول، وفي عام 1978، تم بيع "كرايسلر أوروبا" لشركة بي إس إيه بيجو ستروين (PSA Peugeot Citroën) مقابل مبلغ رمزي لا يتعدى دولارًا واحدًا، مما عكس حجم التحديات التي واجهتها الشركة في تلك الأسواق.

عانت كرايسلر بشدة في السبعينيات من صعوبة التكيف مع الأسواق المتغيرة، وتزايد المنافسة من الواردات الأجنبية في السوق الأمريكية، فضلًا عن المتطلبات الجديدة المتعلقة بسلامة المركبات واللوائح البيئية. وللتغلب على جزء من هذه التحديات، بدأت الشركة شراكة هندسية مع شركة ميتسوبيشي موتورز اليابانية، وأخذت تبيع سيارات ميتسوبيشي تحت علامتي دودج وبليموث التجاريتين في أمريكا الشمالية. مع ذلك، وصلت الأوضاع إلى درجة حرجة في أواخر السبعينيات، حيث كانت كرايسلر على وشك الإفلاس التام، لولا تدخل الحكومة الأمريكية التي قدمت لها 1.5 مليار دولار في شكل ضمانات قروض حيوية.

جاء الفرج على يد الرئيس التنفيذي الجديد، لي إياكوكا (Lee Iacocca)، الذي يُنسب إليه الفضل الكبير في قيادة الشركة نحو التعافي وإعادتها إلى الربحية خلال الثمانينيات بفضل إدارته الحكيمة ورؤيته الثاقبة. في هذه الفترة، تواصل التوسع الاستراتيجي؛ ففي عام 1985، تم تأسيس "دايموند ستار موتورز" (Diamond-Star Motors) لتعزيز وتوسيع العلاقة مع ميتسوبيشي. وفي عام 1987، قامت كرايسلر بخطوة استراتيجية أخرى بالاستحواذ على "أمريكان موتورز كومباني" (American Motors Company - AMC)، وهي الصفقة التي جلبت العلامة التجارية الأيقونية والمربحة للغاية جيب (Jeep) تحت مظلة كرايسلر، مما عزز مكانتها بشكل كبير في سوق السيارات الرياضية متعددة الأغراض (SUV).

في عام 1998، شهدت كرايسلر مرة أخرى اندماجًا كبيرًا مع شركة صناعة السيارات الألمانية دايملر بنز لتشكيل شركة دايملر كرايسلر إيه جي (DaimlerChrysler AG). لكن هذا الاندماج، الذي كان يُنظر إليه في البداية كتحالف قوي، سرعان ما ثبت أنه مثير للجدل ولم يحقق التآزر المرجو، مما أثار استياء المستثمرين وأدى إلى خلافات داخلية. ونتيجة لذلك، وفي عام 2007، تم بيع كرايسلر لشركة سيربيروس كابيتال مانجمنت (Cerberus Capital Management)، وأُعيد تسميتها إلى كرايسلر إل إل سي (Chrysler LLC)، لتبدأ فصلًا جديدًا من التحديات والبحث عن هوية.

أزمة 2008-2010: تحديات غير مسبوقة ونهضة جديدة

شأنها شأن الشركات الثلاث الكبرى الأخرى في صناعة السيارات الأمريكية، لم تسلم شركة كرايسلر من تداعيات الأزمة المالية والاقتصادية الطاحنة التي ضربت العالم بين عامي 2008 و 2010، والتي دفعت قطاع السيارات إلى حافة الانهيار. في تلك الفترة العصيبة، واصلت الشركة جهودها للبقاء على قيد الحياة من خلال مفاوضات مضنية مع دائنيها. لكن في النهاية، اضطرت لتقديم طلب لإعادة تنظيم الإفلاس بموجب الفصل 11 من قانون الإفلاس الأمريكي في 30 أبريل 2009، وذلك في خطوة حاسمة للحفاظ على عملياتها. تزامن ذلك مع مشاركتها في خطة إنقاذ واسعة النطاق من الحكومة الأمريكية، والتي كانت جزءًا من "برنامج إغاثة الأصول المتعثرة" (TARP) الذي هدف إلى دعم الشركات والمؤسسات المالية الحيوية.

وبفضل هذه الجهود المشتركة والدعم الحكومي، تمكنت كرايسلر من الخروج من إجراءات الإفلاس في 10 يونيو 2009، لتتحول ملكيتها إلى تحالف جديد يضم صندوق معاشات عمال السيارات المتحدون (United Auto Workers - UAW)، وشركة فيات الإيطالية (Fiat S.p.A)، بالإضافة إلى الحكومتين الأمريكية والكندية، الذين أصبحوا المالكين الرئيسيين للشركة. ورغم أن عملية الإفلاس أدت إلى تخلف كرايسلر عن سداد ديون تجاوزت 4 مليارات دولار، إلا أنها مكنتها من إعادة هيكلة ديونها وعملياتها.

أظهرت كرايسلر مرونة لافتة في فترة ما بعد الأزمة؛ فبحلول 24 مايو 2011، كانت الشركة قد أنجزت سداد جميع التزاماتها للحكومة الأمريكية، أي قبل خمس سنوات كاملة من الموعد المحدد. ورغم أن عملية الإنقاذ كلفت دافع الضرائب الأمريكي صافي 1.3 مليار دولار، إلا أنها أنقذت عشرات الآلاف من الوظائف وحافظت على جزء حيوي من الصناعة الأمريكية. على مدار السنوات القليلة التالية، بدأت شركة فيات، بقيادة سيرجيو ماركيوني، في تعزيز حصتها تدريجيًا، مستحوذة على أسهم الأطراف الأخرى، وفي الوقت نفسه، عملت على تخفيف العبء المالي للشركة من خلال سداد قروض مكلفة كانت تحمل معدلات فائدة تصل إلى 21%، مما مهد الطريق لمستقبل أكثر استقرارًا وازدهارًا.

تتويج الشراكة: ولادة فيات كرايسلر وستيلانتس

توجت جهود فيات الحثيثة في 1 يناير 2014، عندما أعلنت شركة فيات إس. بي. أيه (Fiat S.p.A) عن إكمال الاستحواذ الكامل على مجموعة كرايسلر. هذه الصفقة التاريخية، التي استكملت رسميًا في 21 يناير 2014، جعلت من مجموعة كرايسلر شركة تابعة مملوكة بالكامل لفيات، مما مثل نهاية مرحلة وبداية عهد جديد للشركتين.

ولتعزيز هذا الاندماج الاستراتيجي، تم الإعلان في مايو 2014 عن تأسيس كيان جديد وعملاق للسيارات تحت اسم فيات كرايسلر للسيارات (Fiat Chrysler Automobiles - FCA)، وذلك من خلال الدمج الرسمي بين فيات إس. بي. أيه ومجموعة كرايسلر إل إل سي. اكتملت هذه العملية بشكل كامل في أغسطس 2014، لتدشن ميلاد واحدة من كبريات شركات السيارات العالمية بقدرات إنتاجية وتصميمية واسعة النطاق.

وظلت مجموعة كرايسلر إل إل سي (Chrysler Group LLC) تعمل كشركة تابعة حتى 15 ديسمبر 2014، عندما تم تغيير اسمها رسميًا إلى FCA US LLC. هذا التغيير في الاسم لم يكن مجرد إجراء شكلي، بل جاء ليعكس بشكل واضح وكامل الاندماج العميق بين فيات وكرايسلر، وليؤكد الهوية الجديدة والموحدة للكيان الأمريكي داخل المجموعة العالمية.

وكما ذُكر سابقًا، استمر هذا المسار من الاندماجات الكبرى ليشهد عام 2021 تشكيل ستيلانتس (Stellantis)، الشركة الأم الحالية لكرايسلر، والتي نتجت عن دمج FCA مع مجموعة PSA الفرنسية. هذا التطور الأخير رسخ مكانة كرايسلر ضمن واحدة من أضخم وأكثر مجموعات السيارات تنوعًا في العالم، مع نظرة مستقبلية واعدة في ظل التحولات الكبيرة التي يشهدها قطاع السيارات.

الأسئلة الشائعة حول كرايسلر (FAQs)

من هي الشركة الأم الحالية لكرايسلر؟
الشركة الأم الحالية لكرايسلر هي ستيلانتس (Stellantis)، وهي مجموعة عالمية كبرى لصناعة السيارات تشكلت في عام 2021 من اندماج فيات كرايسلر للسيارات (FCA) ومجموعة بي إس إيه (PSA Group).
متى تأسست شركة كرايسلر الأصلية؟
تأسست شركة كرايسلر الأصلية في عام 1925 على يد رائد الصناعة والتر كرايسلر.
ما هي العلامات التجارية الأخرى التابعة لـ Stellantis North America بالإضافة إلى كرايسلر؟
بالإضافة إلى علامة كرايسلر، تبيع Stellantis North America المركبات تحت العلامات التجارية دودج (Dodge)، جيب (Jeep)، ورام (Ram). كما تضم قسم قطع الغيار والملحقات موبار (Mopar)، وقسم سيارات الأداء SRT.
لماذا فشل اندماج دايملر كرايسلر الذي تم في عام 1998؟
على الرغم من التطلعات الكبيرة، لم يحقق اندماج دايملر كرايسلر التآزر المرجو بين الثقافتين الألمانية والأمريكية للشركتين، مما أدى إلى خلافات داخلية واستياء المستثمرين. أدت هذه العوامل إلى بيع دايملر لحصتها في كرايسلر عام 2007.
كيف تمكنت كرايسلر من النجاة من الأزمة المالية العالمية عام 2008؟
نجت كرايسلر من الأزمة المالية العالمية بفضل حزمة إنقاذ حكومية من الولايات المتحدة الأمريكية وكندا، وتقديم طلب لإعادة تنظيم الإفلاس بموجب الفصل 11، وأخيراً، الاستحواذ التدريجي لشركة فيات الإيطالية التي قامت بإعادة هيكلة الشركة ودعمها ماليًا.
من هو لي إياكوكا وما هو دوره في تاريخ كرايسلر؟
لي إياكوكا كان الرئيس التنفيذي لكرايسلر ويُنسب إليه الفضل في إنقاذ الشركة من الإفلاس في أواخر السبعينيات وإعادتها إلى الربحية خلال الثمانينيات من خلال قيادته القوية واستراتيجياته المبتكرة، مثل تقديم سيارات K-Car.